من السذاجة أن تظن أن تنظيمًا عريقًا كجماعة الإخوان المسلمين عندما يتعرض لحملة تستهدف استئصاله والقضاء عليه أنه لن يقاوم هذه الحملة ويحاول هو القضاء على خصومه.
ومن غير البديهي أن يكون تنظيمٌ يملك عشرات الآلاف من الكوادر ذات التعليم العالي وأصحاب المهن الراقية وكوادر تمرست في العمل الحركي ومقاومة ومراوغة السلطات والأجهزة الأمنية لعشرات السنوات وله جذور وروافد شعبية كبيرة، عندما يتعرض لحملة شرسة كهذه لن يستفز ذلك طاقاته ويستدعي ملكات أفراده ومواهبهم (على الأقل بدافع غريزة حب البقاء) للمقاومة وتطوير الدفاع إلى الهجوم من خلال خطة إستراتيجية مدروسة ومراحل محسوبة بدقة.
والدارس والمحتك بجماعة الإخوان يعرف أن تحركات الإخوان ليست خبط عشواء بل تكون دائمًا معتمدة على خطة لها برنامج زمني ومعايير إنجاز.
ومقالي هذا يلقي بعض الضوء على ملامح ما ظهر من خطة الإخوان لا لمقاومة النظام العسكري الحاكم في مصر بل لإسقاط هذا النظام فقد أصبح الصراع – للأسف – صفريًا بين الطرفين.
وربما يتساءل البعض لماذا أتحدث عن خطة الإخوان فقط، فأقول لأن الآخرين من معارضي النظام العسكري لم يظهر لهم خطط ولم تتضح لهم إستراتيجية كما أن القوة الصلبة الوحيدة المقاومة للحكم العسكري بمصر هي الإخوان.
وبمتابعتي لتصريحات قيادات الإخوان بالخارج وتحليل البيانات الصادرة من تحالف دعم الشرعية وبيانات الجماعة الرسمية، وباستقرائي للأحداث والاستماع لبعض المشاركين في الحراك الثوري أعتقد أنني كونت صورة عن الخطة الجاري تنفيذها الآن من قبل الجماعة ويجب علينا قبل أن نتحدث في مراحل الخطة أن ندرك حقائق أدركتها جماعة الإخوان وبنت خطتها على أساسها.
الحقائق
الحقيقة الأولى:
لن يسقط النظام العسكري الحاكم في مصر باستخدام السلاح ضده.
فالسلاح لعبته التي يجيدها ويمتلك الغلبة فيها كما أن استخدام السلاح يحتاج إلى أرض ثابتة يتم السيطرة عليها مع حاضنة شعبية تتبنى مشروع المقاومة المسلحة بالإضافة إلى دعم مالي ولوجيستي من إحدى القوى الإقليمية أو الدولية وهذا ما لم يتوفر في الحالة المصرية.
الحقيقة الثانية:
لن يسقط النظام العسكري في مصر بالمظاهرات السلمية فقط.
فبعد المذابح التي تصاعدت بدءًا بالحرس الجمهوري مرورًا برابعة العدوية ورمسيس الأولى والثانية وانتهاءً بالضرب بالرصاص الحي لأي فاعلية سلمية في الشوارع فقد تبين أن النظام على أتم استعداد للإبادة الجماعية لحماية نفسه ولو على أشلاء معارضيه.
الحقيقة الثالثة:
سقوط الأنظمة الحاكمة للدول يأتي بطريقين:
– إما أن تأتي قوة داخلية أو خارجية تزيح النظام المسيطر على الدولة.
– أو أن يفشل النظام المسيطر على الدولة في دوره الإنمائي وتلبية الاحتياجات الأساسية لمواطنيه طبقًا لمعايير الدولة الحديثة وبالتالي يسقط تلقائيًا ويحل محله قوة أخرى.
وبناءً عليه – ومن وجهة نظر الكاتب – فقد تبنّى تنظيم الإخوان إسقاط النظام عن طريق الإفشال وذلك يعتمد على إستراتيجية شاملة وممتدة تبعده عن مجال قوته وهو السلاح والعنف وتُضعفه تدريجيًا مما يؤدي في النهاية لضربة قاضية وقاصمة.
وبمتابعتي لتصريحات قيادات الإخوان بالخارج وتحليل البيانات الصادرة من تحالف دعم الشرعية وباستقرائي للأحداث والتواصل مع المشاركين في الحراك الثوري ضد النظام؛ أعتقد أنني كونت صورة عن الخطة الجاري تنفيذها الآن وهي قائمة – برأيي الشخصي – على ثلاث مراحل:
مراحل خطة الإخوان
أستطيع القول أن خطة الإخوان لإسقاط النظام العسكري في مصر تتدرج في ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: الإنهاك
وهي أطول وأهم المراحل على الإطلاق.
وأعني به الإنهاك الاقتصادي والأمني، إذ أن أي نظام لا يتوافر لبقائه سطوة الأمن فقط، فالدولة الحديثة قائمة على تنمية متطلبات شعبها وتوفير احتياجات معيشته وإلا فهي الانتفاضة العارمة ضده.
وبناء عليه فإفشال النظام في مهمته الأساسية يشكل ضغطًا عليه غير مُتَحمّل بل ويُفقده الحاضنة الشعبية المؤيدة له وهذا بالفعل بدأت بوادره حيث لا تخطئ عين المراقب للشأن المصري تآكل شعبية النظام وقائده بشكل كبير وملحوظ وخاصة بعد وعود براقة عن الوطن الذي سيصبح (قد الدنيا).
ومن المثير للسخرية أن يستعير هذه الطريقة الإخوان من الجيش وأذرعه والتي تم استخدامها لإسقاط (د.محمد مرسي) فجميع الإنجازات يتم تحقيرها بل وتحويلها إلى سلبيات وجميع المصائب حتى حوادث الحافلات يتم إلصاقها بالرئيس وتحميله المسؤولية هذا بالإضافة لإحداث حالات الفوضى في الشوارع وافتعال أزمات الوقود.
وقد فطن بعض الإعلاميين المؤيدين للنظام (أ.عمرو أديب) لذلك فصرح بكل وضوح مخاطبًا ومتحديًا الإخوان قائلًا بالنص: (أن لعبة الدولة الفاشلة دي لعبتنا وإحنا اللي عملناها مع مرسي).
واستمرار الحراك الثوري ضد النظام بالرغم من وحشية القمع وضخامة أعداد القتلى (أربعة آلاف طبقًا لإحصاءات مختلفة) والمعتقلين (تجاوز الرقم أربعين ألفًا) كان ولا يزال العامل المؤثر في إنهاك النظام وعدم استقراره حتى بالرغم من ضعف الحراك بشكل عام تحت تأثير الضربات الأمنية، إلا أن الاستمرارية تشكل أحد أهم المحاور في الخطة الإخوانية وكانت الفاعليات القوية في ذكرى ثورة يناير 2015 (وخاصة في منطقة المطرية بوسط القاهرة) من أهم علامات حيوية الحراك واستمراريته.
وطالما أن هناك بشرًا يسيرون في مسيرات يرفعون علامة المذبحة بأصابعهم الأربعة ويقابلهم على الجانب الآخر مكوث دبابة ومدرعة في الشارع فلن تحدث تنمية في مصر ولن يتقدم النظام خطوة واحدة نحو مشروعية الإنجاز الأمني أو الاقتصادي.
– المرحلة الثانية: الإرباك
وهي مرحلة تلت الإنهاك وتعني أن يفقد النظام السيطرة على مكامن قوته ومفاصل دولته فتتضارب المصالح الداخلية للقوى الصلبة المُشكّلة للنظام وتبدأ الولاءات تتغير ويكثر القافزون من المركب الذي أوشك على الغرق.
وبذلك يسهل تحريك قطاعات شعبية واسعة ودفعها للثورة وإزاحة النظام الذي فقد مبررات وجوده.
وأنشطة هذه المرحلة تكون خلف الكواليس بجانب حركة الشارع وأيضًا تعتمد على تفكيك ارتباطات إقليمية وغربية بالنظام بعد فشله في تثبيت أركانه والسيطرة على رقعة الاحتجاجات التي تتسع يومًا بعد يوم.
ولا يوجد أشرّ على نظام يحكم دولة من أن يبدو متخبطًا وغير متماسك أمام أنصاره وحلفائه قبل أعدائه وخصومه، فساعتها يفقدون الثقة فيه ويراهنون على غيره أو يتفاهمون مع القوة التي على الأرض.
المرحلة الثالثة: الإسقاط
وهي بمثابة الضربة القاضية أو مشهد النهاية وأعتقد أنني تخيلت أجزاء هذا المشهد ولكن بعد تفكيكه على النحو التالي:
* شرارة الاشتعال.. وتكون في شكل حدث ما يكون صارخًا وفجًا، أو بقرار غبي وطائش من النظام.
* جموع شعبية طفح بها الكيل من تردي الأوضاع المعيشية وانسحاقها بالغلاء ورفع الدعم.
* كتل شبابية متنوعة وصلت إلى قناعة أنه لا مستقبل لها في هذا الوطن طالما أن هؤلاء العسكر مُسيطرون على مقاليد الحكم.
* طليعة شبابية إسلامية اكتوت بالنار وتمرست على المواجهة والفعل الثوري وعلى استعداد للتضحية بالدماء والصمود أمام النيران وتشكل رأس الحربة في المواجهات مع قوات النظام.
* إعلام ونخبة ثقافية فقدت مصداقيتها شعبيًا ولم يعد لها رصيد من الثقة يكفي لتوجيه الجماهير أو تضليلها.
* مظاهرات عارمة تتسلح بأي شيء تجابه به الصدمة الأولى من جبروت نيران النظام.
* شرطة مُنهكة أعيتها كثرة الفاعليات وقمع الاحتجاجات المتتالية والمتسعة برقعة الوطن.
* ضباط وجنود في الجيش فقدوا الثقة بقيادتهم ومشروعية الدفاع عنهم بعد تكرار فشلهم.
* تخلخل قوى النظام على الأرض ومشاهد انكسار للقوات الموالية له على الفضائيات ومواقع التواصل.
* فوضى تصاحب كل الثورات.
* مفاوضات مع الجيش والغرب والخليج ورحلات مكوكية بين العواصم للاتفاق على شكل الدولة والنظام وترتيبات العدالة الانتقالية وعلى رأسها القصاص والذي – برأيي الشخصي – لن يتنازل عنه الإخوان مهما كان الثمن.
حتى هذه اللحظة يمكن تخيل السيناريو وماذا يمكن أن يحدث.
لكن حالة السيولة التي ستكون فيها الدولة والمجتمع وقتها لا أحد يتوقع أبعادها حيث ستتقاطع مصالح وطنية وإقليمية ودولية وستتحرك قوى داخلية وخارجية محاولة توجيه حالة السيولة لصالحها.
أسئلة النهايات
بالإضافة إلى أنه لا يمكن توقع ماذا سيفعل النظام العسكري بالبلد والشعب إذا أحس بنهايته.
هل سيحولها إلى محرقة يبيد فيها الأخضر واليابس وما تبقى من الدولة كما فعل بشار الأسد؟ هل سيُعرّض الشعب لمجاعة مُتعمّدة حتى ينشغل ببقائه حيًا؟
إذ يكفيك عزيزي القارئ معرفة أنه لو تم قطع الطريق بين صوامع القمح والمطاحن فسيجوع الشعب المصري بعد يومين فقط ولن يجد الخبز.
هل ستتحرك قطاعات من الجيش وتنحاز للشعب وتحسم الصراع مبكرًا وتفرض النظام والأمن بقوتها على الأرض؟
هل سيُضحي الجيش والنظام ببعض رؤوسه وأولهم السيسي لإعادة هيكلة المشهد لصالحه وهل سيقبل الثوار ذلك مرة أخرى بعد خدعة 11 فبراير 2011؟
كل هذه الأسئلة محل نظر وأعتقد أنه لا يملك أحدٌ الإجابات الشافية عليها وذلك بالرغم من زعم بعض قيادات الإخوان بأن لهم تصورًا لمرحلة ما بعد السقوط، إلا أن ما تم التصريح به لا يعدو كونه مجرد عناوين عريضة.
ربما يظن البعض أن الدولة المصرية ستنهار أو ستتفتت كما البلدان الأخرى إلا أن ما يبعث على الطمأنينة أن جميع القوى داخليًا (الإخوان – العسكر – أركان دولة مبارك – القوى السياسية الهشة) وخارجيًا (الغرب وحتى إسرائيل! – الإقليم العربي وفي قلبه الخليج) حريصون جميعهم على ألا تتحول مصر إلى كانتونات تضرب فيها الفوضى من كل اتجاه، فالكل ساعتها خاسر ولا ينمو في بيئة كهذه ويتمدد إلا الدواعش والكل حريص على تماسك الدولة المصرية التي بسقوطها لن يستقر العالم، كل العالم.
وربما يخبئ الغيب أمرًا لا يعلمه أحد، ولدى السماء خطة أخرى غير خطة أهل الأرض يحفظ بها الله البلاد والعباد، وخطة السماء دائمًا ناجزة ودائمًا قاهرة ودائما يكون فيها الخير.