ديسمبر 9, 2023

سليم عزوز يكتب:السيسي وشفيق .. مبروم على مبروم!

يخاف عبد الفتاح السيسي من خياله، ولهذا فهو يدخل حرباً لا هوادة فيها مع الفريق أحمد شفيق، على نحو حال دون عودته لمصر، بعد إسقاط الرئيس محمد مرسي، ومع أنه لا توجد موانع قانونية تمنعه من العودة، لكن المانع يتمثل في جنرال يأخذ كل سفينة غصباً!.

لا يزعج “السيسي” أحد بقدر ما يزعجه أحمد شفيق، ولم تفلح كل رسائل الطمأنينة التي بعثها الأخير من منفاه، في أن يجعله يقبل بعودته، ومعلوم أنه لو عاد على غير إرادة “الحاكم الأوحد”، فإن أوراقاً لقضية أعدت خصيصاً لإدانته، ومن المقرر أن تقدم للقضاء العسكري، هي خاصة بما يقال أنها مخالفات في تحديث المطار، الإنجازر الأبرز في التاريخ الوظيفي للفريق!.

لا يعني هذا أن وزير الطيران السابق، مدان في هذه القضية، لكن القانون في مصر في إجازة، والقرار سياسي وإن صدر في صيغة قضائية، ثم إن الجهة التي ستتولاه، هي القضاء العسكري، الذي أدان من قبل أحد قيادات الجيش المصري، وأحد أبرز رجاله، ومن هو صاحب تاريخ عسكري مجيد، وهو الفريق سعد الدين الشاذلي، وتم تنفيذ الحكم في عهد مبارك، ولم يتململ أعضاء المجلس العسكري لسجن أحد رموز الجيش، وبطل حقيقي من أبطال أكتوبر، لكنه غضب لسجن مبارك، الذي دمر الوطن على مدى ثلاثين عاماً، وهلك الحرث والنسل، وزور ليختزل انتصار أكتوبر في الضربة الجوية، وهذه الضربة في سيادته، ورفع صورة الفريق الشاذلي في غرفة عمليات الجيش، ووضع صورته هو!.

والقضاء العسكري، هو الذي أصدر حكمه على “محمد الظواهري” شقيق زعيم تنظيم “القاعدة” بالإعدام، وعندما قامت الثورة صدر حكم جديد يلغي حكم الإعدام ويقرر البراءة!.

“شفيق” أرسل رسائل “الحب العذري” لعبد الفتاح السيسي، ولكن وكما يقول المثل المصري “مبروم على مبروم”، فالسيسي هو مؤلف قاموس هذا اللون من الحب، وهو من وضع أساسه النظري، والكتاب العمدة، وتمكن به من أن يحوز الثقة الكاملة من قبل الرئيس محمد مرسي، فكان يسد أذنيه عن أي كلمة تقال يمكن أن تشككه في “ابنه عبد الفتاح”!.

الشخص الخطأ

الفريق أحمد شفيق، قال في حديث سابق أنه عندما تتقرر له العودة للقاهرة، سيعود فجراً، وسيطلب مصفحة تنقله إلى بيته، خوفاً من استهداف الإخوان له. فقد أراد القول أنه مهدد في حياته، وبالتالي فلن يعمل بالسياسة، لكن الرسالة أرسلت للشخص الخطأ!.

وخلال الفترة الماضية وهو يرسل رسائل التأييد للسيسي، وعندما قالت جريدة “الشروق” أنه تلقي من جهة سيادية رسالة مفادها “انسي”، وبدا واضحاً أن هناك تخوف، من أن يحتشد حزبه في الانتخابات البرلمانية “المعطلة”، ليحصل على الأغلبية ومن ثم يتمكن من تشكيل الحكومة، وصلاحيات رئيس الحكومة في الدستور أقوي من صلاحيات رئيس الجمهورية، عندها كانت رسالة “شفيق” أن حزبه وبما يحققه في هذه الانتخابات سيكون ظهيراً شعبياً للسيسي!.

لكن من قال له أن عبد الفتاح السيسي يريد أحداً، سواء ظهيراً، أو مؤيداً، أو مباركاً، ثم وكيف به وقد خان رئيسه الدكتور محمد مرسي، الذي رقاه وعينه وزيراً للدفاع، أن يثق في أي أحد، مهما أرسل من رسائل، وأظهر التأييد والولاء؟!

في ألمانيا، وضع السيسي النقاط فوق الحروف، بأن قال في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع “ميركل”، أن محمد مرسي فاز في انتخابات “نزيهة”.

كان يريد القول أنه رغم نزاهة هذه الانتخابات فإن الشعب خرج عليه، وأنه نجح بـ (51) في المائة وهي نسبة من وجهة نظره متواضعة، لأنه ابن الاستبداد العربي الذي لا يعترف إلا برقم التسعة، في نتائج الانتخابات. وكان ما قال أيضا رسالة لـ “شفيق”، ليتجاوز فكرة ان يكون رئيساً بحكم قضائي، كأحد السيناريوهات المعروضة عندما يصبح وجود السيسي في موقعه يوماً إضافياً يمكن أن ينتج عنه نجاح ساحق للثورة، تفقد الدوائر الغربية فيها السيطرة عليها، وتوجيهها.

كانت هناك سيناريوهات كثيرة، قد وضعت لإسقاط الرئيس محمد مرسي، وأحد هذه السيناريوهات، كان إصدار حكم من المحكمة الدستورية العليا يرفع الشرعية عن الرئيس، مع أنه لم يكن أمامها قضية رفعت وفق القواعد القانونية، لكن أحكامها واجبة النفاذ، وإن خالفت صحيح القانون، وتجاوزت اختصاصها.. بيد أن حصار الشيخ حازم أبو إسماعيل وأنصاره للمحكمة فوت الفرصة عليهم، وفطن قضاة المحكمة أن الأمور لن تمر بسهولة.

من بين هذه السيناريوهات، هو ما فعله “شفيق” عندما طعن بالالتفاف على الدستور الذي حصن قرارات اللجنة القضائية المحصنة من الطعن عليها أمام القضاء، وتقدم بطعن أمام القضاء الإداري، وأمام النائب العام، في نتيجة الانتخابات بعد أن كان قد وافق على نتيجتها، حتى إذا رفضت جهة الطعن فربما تقبله جهة أخرى!.

عقلية مبارك

في النهاية، كان السيف أصدق إنباء من الكتب، فجاء الانقلاب العسكري، لأن إسقاط حكم الرئيس المنتخب، بأي طريقة أخرى سيكون معناه، أن يخرج السيسي من المولد بدون حمص، ولا يمكن أن يقدم نفسه على أنه من “رجال شفيق”، لأنه فعلاً ليس من رجاله، فالسيسي كان مقرباً من المشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع، وفي خندقه، ويتبني حساباته، ومن بين هذه الحسابات هو أنه ليس على وئام مع رئيس الأركان السابق “سامي عنان”، و”عنان” كان يظهر الولاء بعد الثورة للمشير، لأنه يعلم أنه بجرة قلم يمكن أن “يلبس البيجامة”، لكن ما كان لعقلية تآمرية وأمنية كعقلية مبارك، أن يكون وزير دفاعه ورئيس أركان الجيش على وفاق!.

مرسي فقط الذي فعلها، كما لو كان يؤسس لفرع لجماعة “الدعوة والتبليغ”، وليس يدير سلطة في زمن خراب النفوس، فالسيسي هو من اختار رئيس أركانه. والسيسي هو من اختار وزير الداخلية ليشاركه في الانقلاب بعد ذلك. والسيسي هو من اختار قائد الحرس الجمهوري، الذي خان مبادئه العسكرية وسلم الرئيس بعد ذلك لمختطفيه!.

لتعرفوا كيف كان يدير مبارك الأمور خذوا هذه!.

كان كمال الجنزوري، قد تولى رئاسة الحكومة، بعد “رجل بركة” هو “عاطف صدقي”، وكان الجنزوري سلطوياً فهيمن على الحكومة، وجاء بوزير بمجلس الوزراء كان يهين الوزراء ويسبهم بالأب والأم، ويعاملهم كغلمان في البلاط!

“الجنزوري” كان يخاطب المشير حسين طنطاوي باسمه مجرداً، قم يا حسين، تحدث يا حسين، ما رأيك يا حسين؟.. ولم يكن “طنطاوي” يتمتع بأي هيبة عسكرية، ولهذا اختاره مبارك بعد مرحلة الشخصية المحبوبة داخل الجيش وآخر الضباط الأحرار في السلطة “محمد عبد الحليم أبو غزالة”، فبعده عين مبارك محافظ القاهرة الفريق “يوسف صبري أبو طالب” وزيراً للدفاع، ثم المشير طنطاوي!.

إعمالاً لـ “سياسة إشعال الفتن” بين من يعملون في بلاطه التي كان يعتمدها المخلوع، قال لوزير الدفاع كيف تقبل على نفسك أن يخاطبك الجنزوري باسمك مجرداً، وأنت تحمل رتبة المشير!.

واصطحب طنطاوي عدداً من الضباط، ودخل مكتب الجنزوري في مجلس الوزراء مقتحماً، ووجه إليه إنذاراً وخرج: “لا تقل لي يا حسين مرة أخرى.. اسمي سيادة المشير”.

ولم يكد يصل إلى مكتبه في كوبري القبة، حتى وجد اتصالاً هاتفياً من مبارك يطلبه الحضور للرئاسة، وهناك أخذ يسأله عن تفصيل ما جرى، وكأنه طفل يستمتع بحدوتة ما قبل النوم!.

يقول الراوي، المقرب من طنطاوي، أن الرجل استشعر بعد خروجه من مكتب مبارك أنه يمثل دوراً في فيلم “كارتون”. فتأذى بينه وبين نفسه، فلم يكن بمقدوره أن يعلن تأذيه أمام الناس!.

الود المفقود

ما بين “طنطاوي” و”شفيق” ود مفقود، إن شئت فقل إنه حالة من عدم “الاستملاح”، وهي ذاتها التي كانت بين “طنطاوي” ومدير المخابرات العامة اللواء “عمر سليمان”، والذي كان “طنطاوي” يحرص في حديثه عنه، أو معه، في غيابه أو في حضوره، على ذكر الرتبة، فـ “اللواء” عمر، أين “اللواء” عمر، ذهب “اللواء” عمر؟، ليؤكد على ان المقامات محفوظة، فمها كان قرب “عمر سليمان” من مبارك، ومهما كانت الأدوار التي يقوم بها، وحتى وإن كان على  درجة الوزير، فهو “لواء” في حين أن “طنطاوي” يحمل الرتبة العسكرية الأعلى “مشير”!

عدم الود الذي كان يحكم العلاقة بين “المشير” و”الفريق أول” أحمد شفيق كان يدركه مبارك جيداً، وجزء منه يرجع إلي اعتزاز “شفيق” بنفسه، إذ كان يعتقد أنه من البنائين الكبار، لاسيما بعد التجديدات التي أقامها في المطار، ويقال أن له أدوارا في الجيش في البناء، لست ملماً بها لكنها جعلته يستشعر أنه شئ مهم. زاد على هذا علاقته المتميزة بالرئيس المخلوع، وهي علاقة لا ينفيها، ولم يستخدم واقعة جرت للمتاجرة بها عندما كانت تؤخذ عليه هذه العلاقة وهددت وجوده رئيساً للحكومة بعد تنحي مبارك!.

لقد رفض “شفيق”، طلب مبارك يد إحدى بناته لابنه “جمال”، بطريقة لم تؤثر على العلاقة بينهما، ولم تحول دون استمراره وزيراً للطيران، ثم اختياره رئيساً للحكومة لامتصاص غضب الشارع في ثورة يناير، بعد أن اعتذر “طنطاوي” عن المنصب!.

ولحساسية الموقف، كانت تعليمات مبارك لوسائل الإعلام، ألا تذكر رتبة “شفيق” العسكرية، مراعاة لحساسية الموقف بالنسبة لـ “المشير” طنطاوي، وكانت التعليمات ان يسبق اسمه لقب “الدكتور”. يقول رئيس قطاع الأخبار في التلفزيون المصري “عبد اللطيف المناوي” في مذكراته، وكانت هذه المرة الأولى التي نعرف فيها أن “شفيق” حاصل على درجة “الدكتوراه”. فهل هو حاصل عليها فعلاً؟!

وقد قدم الثوار للمشير طنطاوي خدمة العمر، بالتجليات الثورية التي انطلقت بعد تنحي مبارك، تطلب بإسقاط رئيس الحكومة المعين من قبل المخلوع!

وهي دعوة منطقية، فليس من المنطق أن يسقط مبارك ولا تسقط حكومته التي عينها، لكن المجلس العسكري عينه مبارك أيضاً، ولم يكن الثوار قد وقفوا على مؤامرته ضد الثورة بعد، واعتقد أنه لو قدر لشفيق أن يستمر رئيساً للحكومة، لوقف للمشير كالشوكة في “الزور”، أو في “الحلق”!.

خرجت المظاهرات تطالب بإسقاط “شفيق”، الذي كان يرأس الحكومة في “موقعة الجمل”، مع أن عبد الفتاح السيسي عضو المجلس العسكري، كان قد جاء إلى “ميدان التحرير” في هذا اليوم، ليخلي الميدان ويضمن الدخول الآمن للخيل والبغال والحمير، لتعبر عن تأييدها لمبارك بعد بيانه الشهير، الذي طالب فيه بإمهاله في موقعه لحين انتهاء فترة رئاسته في سبتمبر القادم على ألا لا يترشح لولاية جديدة!.

استقال أحمد شفيق، وعين المجلس العسكري عضو لجنة السياسات بالحزب الحاكم ووزير النقل السابق “عصام شرف” وجري تقديمه من “ميدان التحرير”، على أنه رئيس الوزراء القادم من الميدان، وشارك كثير من الرموز ومن كل الاتجاهات في إدخال الغش والتدليس على الناس، وكان مما يميز “شرف” أنه لا شخصية، على نحو جعل من المشير محمد حسين طنطاوي هو الحاكم بأمره!.

وعندما بدأ الحديث عن الانتخابات الرئاسية، ظهرت حالة عدم الود بين “شفيق” و”طنطاوي”، بل وظهرت بشكل كبير بين “عمر سليمان” و”شفيق”!.

كان “شفيق” يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، انتظاراً لتشجيع أو ممانعة من المجلس العسكري لترشحه، وكان يقرأ في الصحف أن “عمر سليمان” قرر الترشح فيتراجع هو، ويتراجع “سليمان” فيعلن هو أنه سيخوض الانتخابات، وأخبر مقربين منه أنه في حال ترشح “سليمان” فلن يترشح، دون أن يجمعهما لقاء يحددان فيه الموقف.

وقد أضناه الانتظار، فذهب للمشير يطلب منه توضيح موقفه تجاهه، هل مع ترشحه أم لا؟، لكنه تلقي رداً مائعاً، كان رد الحد الأدنى المطلوب: “لن يكونوا ضده”، كما أنهم ليسوا ضد ترشح أحد. ولم يكن هذا صحيحاً، والدليل أن ما أبلغ به الإخوان هو أنه إذا أصر “حازم صلاح أبو إسماعيل” على الترشح فلا انتخابات رئاسية، وهو من كان مقدراً له أن ينجح بدون إعادة، وفي الجولة الأولى، والذي كان “سره الباتع” بحسب التعبير الصوفي، الذي يرفضه حتماً بسلفيته الاخوانية، قد ملأ أرجاء المحروسة، قبل أن يتفتق ذهنهم عن المانع القانوني المتمثل في أن والدته حملت الجنسية الأمريكية.

تردد عمر سليمان، فلم يكن هناك وقت فأقدم أحمد شفيق، قبل أن يتقدم سليمان بتوكيلاته في وقت لاحق ويجري استبعاده بقرار من لجنة الانتخابات لأن التوكيلات لم تكن مكتملة من حيث العدد في بعض المحافظات.

فوز شفيق

لم يكن الفتور، هو الذي يحكم علاقة “أحمد شفيق” وعضو المجلس العسكري ورئيس الأركان “سامي عنان”، ولهذا فإن الأخير أبلغه بفوزه في الانتخابات الرئاسية فاستعد بالدعوة لعقد صحفي بعد إعلان اللجنة العليا لفوزه، وكنت قد علمت أنه انتقل في يوم سابق للإقامة في أحد الفنادق ليعقد مؤتمره الصحفي كرئيس للبلاد في أحد قاعاته، وإذ كنت في هذه الفترة أتولى رئاسة تحرير جريدة “الأحرار” فإن زملائي الذين كلفتهم بمهمة تغطية المؤتمر الصحفي للجنة القضائية، اتصلوا بي من هناك قبل بدء المؤتمر، ليخبروني أنهم وعقب إعلان النتيجة سيذهبون إلى حيث ينزل شفيق لحضور مؤتمره مع الصحفيين الذين سيتم نقلهم من هيئة الاستعلامات إلى هناك!.

كانت اللجنة القضائية قد تأخرت أربعة أيام عن الموعد القانوني المقرر لإعلان نتيجة الانتخابات، وانتشر كلام كثير عن القبض على موظفين في المطابع الأميرية قاموا بتزوير أوراق لصالح المرشح الإخواني، ورغم النشر المكثف فقد اتصلت بمصادري هناك، التي أعلنت رسمياً أن أحداً لم يلقي القبض علي أي من العاملين، وبد المسؤول بهيئة المطابع في حالة دفاع واضح، متجاوزاً كونه موظف يمكن الإطاحة به، فأعلن ان مطابعه ليست الوحيدة التي طبعت أوراق الانتخابات الرئاسية، فهناك أيضاً مطابع الشرطة. وهو كلام يعني لو كان ثمة تزوير فستكون في الاتجاه الآخر الذي يمكن للشرطة ومطابعها أن تخضع له.

كانت حملة الرئيس محمد مرسي قد أعلنت فجراً فوز مرشحها بالأرقام، وجاء بيان لقضاة من أجل مصر، معلناً هذه النتيجة، وحشد الإخوان رجالهم في ميدان التحرير  ليرهبون بهم المجلس الأعلى للقوات المسلحة إن فكر في تزوير إرادة الشعب.

في أحد أيام الشك، نقل لي أن أحد أعضاء المجلس العسكري، كان في زيارة لقريته وهناك احتشدوا حوله يطلبون منه النتيجة من “الكنترول” باعتباره واحداً من حكام البلاد، وبعد “تمنع”، قال لهم، ما لا يحتاج لتوضيح: “نحن في المجلس العسكري لن نعطي التحية العسكرية لشخص مدني”. وكانت جولة الإعادة بين مرسي وشفيق!

وإن كانت الأيام أثبتت أن الأمر لم يكن “على المشاع” في المجلس العسكري، فقد كان بين رئيسه “طنطاوي” والمقربين منه، ولم يكن من بينهم “سامي عنان”، أو هذا “الشخص”!.

الرسالة الأمريكية

وبما علمته بعد ذلك فلن يكن “طنطاوي” ممن يملك القدرة على إعلان النتيجة على غير حقيقتها، وكانت الرسالة الأمريكية في قضية التمويل الأجنبي لا تخطئ العين دلالتها!.

إذ استيقظت مصر ذات يوم، على قضية اتهام مصريين وأمريكيين فيما عرف بقضية التمويلات الأجنبية وصدر قرار قضائي بمنعهم من السفر، في تصرف أرعن، زاد من رعونته، أن من اتخذه لم يملك القدرة على حمايته!.

وقد نقل عن مبارك في المستشفي الذي يقضي فيه فترة حبسه دهشته، وقال إن “طنطاوي” لا يمكن أن يقدم على هذه القضية، فهو يعرف أن مصر تدخلها مساعدات مقابل السماح بجزء منها لمنظمات المجتمع المدني، وقيل أن من وقف وراء هذه القضية هو مدير المخابرات الحربية “عبد الفتاح السيسي”، ضمن مخططه لتشويه الثورة، وكانت التمويلات الأجنبية لتأكيد أن الثورة جرى تمويلها من الخارج، وليس عندي معلومات حول من الذي فعلها!.

أدار الأمريكان، الحوار مع السلطة الجديدة بشكل دبلوماسي، بدا واضحاً أنها اعتبرته دليل ضعف!.

قالوا لهم نطلب ألا يمثل المتهمون في القفص، لأن دخولهم عقوبة، ولا يجوز بحسب القانون الأمريكي توقيع عقوبة على متهم قبل إدانته، وأنهم بمراجعة القانون المصري فقد وقفوا على أنه لا يوجد فيه نص ملزم، وعليه فكل ما نطلبه أن يجلسوا في القاعة في الصفوف الأولى.

وكان الرد أن هذا من سلطة القاضي، ولا يمكن الاتصال به أو التدخل في قرارته. وكان واضحاً أن المجلس العسكري، وفي مواجهة هذه المرونة الأمريكية، قرر أن يكسب بهذه القضية تأييداً شعبياً في الشارع.

كان الثوار قد عادوا لميدان التحرير يهتفون بسقوط حكم العسكر، ونزل المشير طنطاوي للشارع في منطقة وسط البلد وبالقرب من “ميدان التحرير” ببدلة مدنية وصافح الجماهير بشكل لا تفقد العين دلالته!.

وذات ليلة وعقب يوم حاشد بميدان التحرير، أعلن المشير حسين طنطاوي أنه قد يلجأ للشعب ليستفتيه في مسألة استمرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة في السلطة.

وقال “ضياء رشوان”، وكان مؤيداً للحكم الجديد، إن المشير وضع شباب الثورة في “خانة اليك”، لأنه يعلم حب الشعب له، ولو لجأ للاستفتاء، فسوف يحصل على تأييد شعبي كاسح. وكتبت أنا: نحن لم نأت بهم باستفتاء ليغادروا باستفتاء!.

القضية التي أريد بها التعامل على أنها تمثل “الفخر الوطني” لحكم المجلس العسكري تحولت إلى فضيحة من العيار الثقيل لهذا الحكم!.

لقد بدا واضحاً أن الجانب الأمريكي وجد أن أسلوب المفاوضات لن يصلح مع القوم، فكان القرار الذي نقل لقيادي في السلطة الجديدة: الولايات المتحدة الأمريكية أرسلت طائرتها لمطار القاهرة لتحمل الأمريكيين، وهي الآن في الأجواء المصرية فلا تدفعوننا لأمرها بأن تهبط في السفارة الأمريكية. حيث كان المتهمون الأمريكيون فيها!.

عندما هبطت الطائرة الأمريكية، في مطار القاهرة، كان واضحاً أنها تحمل أجهزة شلت الحركة على الأرض وفي المجال الجوي، وجرى استدعاء رئيس محكمة استئناف القاهرة ليلغي قرار منعهم من السفر، بالمخالفة للقانون، ولم يكن هو القاضي الذي أصدر قرار المنع، فقد رفض هذا القاضي أن يعبث في قرارته، أو أن يكون ألعوبة لهذه الدرجة.

ما العمل؟

كان ما جرى حاضراً في ذهن المشير محمد حسين طنطاوي، عندما جمع رئيس حكومته كمال الجنزوري ووزير داخليته محمد إبراهيم “الأول”، ومعه أربعة من أعضاء المجلس العسكري، وطرح عليهم سؤاله قبل إجراء جولة الإعادة بين “مرسي” و”شفيق”: ماذا لو نجح الإخوان؟!.

علق الجنزوري: تكون مصيبة!.

وسأل طنطاوي: وماذا في أيدينا أن نفعل؟!

وكان رأي وزير الداخلية، أن هناك 280 قيادة لجماعة الإخوان على المستوي المركزي وفي المحافظات إذا تم القبض عليهم، شلت قدرة الجماعة على الفعل!.

يقول المصدر، إن المشير ظل يسمع لخطط التصدي من الساعة الثالثة عصراً إلى السادسة وهو صامت، قبل يقول لهم: يبدو أنكم لم تتناولوا الغداء بعد هيا بنا. وهب واقفاً. 

وكانت هناك مائدة قد نصبت في قاعة الاجتماع، وقبل أن يهبوا واقفين وبعد أن استمع لخطط التصدي والمواجهة قال لهم إن الأمريكان لن يسمحوا بتزوير النتيجة إنهم قد يفرضون ساعتها حظراً على مصر، فلا تستطيع طائرة أن تطير شبراً فوق الأرض!.

وفي طريقهم للمائدة المنصوبة، كان الغضب قد بلغ برئيس الحكومة مداه، فتحدث بصوت خفيض مع وزير الداخلية: “هذا رجل قليل حيلة” يقصد “طنطاوي” يطلب رأينا وهو يعلم أنه لن يستطيع أن يفعل شيئاً.

وأظن أن تصور أن أمريكا لن توافق، كان حاضراً في تصورات المشير محمد حسين طنطاوي في “أيام الشك”، لكنه كان يحتاج لضمانات لإعلان النتيجة، وربما كان ينتظر الموقف الغربي، وربما كان الأمران معاً.

ففي هذه الأيام كان الإخوان في “ميدان التحرير” تشق هتافاتهم عنان السماء، وكانت الجماعة قد وسعت دائرة تحالفاتها وعقدت مع عدد من رموز الثورة اجتماع فندق “فيرمونت” الشهير، لتوصيل رسالة للمجلس العسكري أنهم ليسوا وحدهم.

ونشر عن دور يقوم به الدكتور محمد البرادعي، بين قيادات الجماعة والمشير طنطاوي، وبدون تفاصيل، ولم يذكر ماذا دار في هذه اللقاءات وفي الجولات المكوكية للبرادعي!.

بد لي من سياق بيان رئيس اللجنة العليا للانتخابات، أنه مكتوب لإعلان فوز “شفيق”، لكن كانت المفاجأة رغم المقدمات هي إعلان فوز “مرسي”، وتم القبول بالنتيجة، بعد أن حققت اللجنة في الطعون الذي قدمها “الفريق”، تم اكتشاف أن أصواتاً من حق “مرسي” تسبب خطأ في عدم استفادته بها، فتتم إضافتها لجملة أصواته.

لكن في مخطط التفكير في إزاحة الرئيس محمد مرسي جرى الإدعاء قضائياً بأن الانتخابات مزورة، وتم تحصين الطعن عليها بتقديمه مرة للقضاء الإداري وأخرى للنائب العام، واستدعى الأخير قاضي تحقيق، لكن وقع الانقلاب، فجاء حكم القضاء الإداري بعدم الاختصاص، لأن قرارات اللجنة العليا محصنة من الطعن عليها أمام القضاء بنص الدستور.

قصة قاضي التحقيق

لكن تفجرت أزمة قاضي التحقيق، لقد فاجأ الرجل الجميع بتصريحات صحفية بأنه لم ينته من إعلان قراره، ومن يجيد قراءة ما بين السطور، يفهم أن قراره سيأتي بأن “شفيق هو الرئيس”، ولم يكن هذا مطلوباً!.

عبثاً حاول رئيس محكمة الاستئناف السابق إفهامه أن الموضوع انتهى، لكنه بدا في حالة تمرد خطرة، ولعله كان في حكم القاضي الذي استدعي لإصدار قرار بمنع المتهمين الأمريكيين من السفر، وكان في قرارة نفسه يعلم أنه ينصاع لتوجه سياسي ربما يبرر لنفسه بأنه يحافظ على الأمن القومي للبلاد، لكن كان له سقف في التنازل عن كبريائه القضائي فرفض تعليمات أخرى بإصدار قرار يسمح لهم  بمغادرة البلاد!.

ولم يجد رئيس محكمة الاستئناف بداً من أن يلغي قرار ندب قاضي التحقيق المنتدب للتحقيق في بلاغ “أحمد شفيق” بتزوير الانتخابات الرئاسية، وطعن القاضي في قرار إلغاء الانتداب، أمام دائرة “الرجال”، أو دائرة طعون رجال القضاء بمحكمة النقض، وكان من أصدر القرار الطعين قد خرج على التقاعد، وصدر الحكم بعدم جواز إلغاء الانتداب، إلا عندما ينتهي المنتدب من مهمته التي انتدب لأجلها. وعاد قاضي “طعن شفيق”، ليعلن أنه أوشك من الانتهاء من تقريره!.

لقد صودرت إحدى الصحف في المطبعة، لأنها نشرت التقرير، ولا يعقل أن تكون المصادرة لأن التقرير انتهى إلى أن الانتخابات كانت نزيهة وان الفائز حقاً هو محمد مرسي، فهذا لا يمثل خطراً على الموقف القانوني لعبد الفتاح السيسي الذي يعترف بأن مرسي هو الرئيس الشرعي الذي أفرزته انتخابات نزيهة، لكن الشعب خرج عليه، فانحاز الجيش للشعب لأنه اكتشف أن “هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه”!.

وتم التستر على موضوع الطعن، ولا نعرف هل صمت القاضي، أم أجبر على الصمت، أم صدرت التعليمات لوسائل الإعلام بعدم نشر كلامه؟!

ومنذ أيام، قال الفريق أحمد شفيق إن القاضي انتهى في قراره إلى صحة قرار إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، فهل حدث هذا فعلاً، ولماذا لم يمكن القاضي من إعلان هذا بنفسه، ولماذا لم تنشر وسائل الإعلام هذا القرار ؟!

وهل ما قاله “شفيق” صحيح؟.. أم أنه قاله ضمن رسائل “الحب العذري” والغرام من طرف واحد، مثل تصريحات شفيق من أن السيسي هو مستقبل مصر؟!.. وانه يهدف بما قال أنه سيسلم بطي ملف تزوير الانتخابات مقابل أن يسمح له بالعودة؟!.

تدوير الانقلاب

كنت أعتبر قضية تزوير الانتخابات الرئاسية، ورقة في يد دوائر الانقلاب خارجياً وداخلياً عندما يتقرر “تدوير الانقلاب”، لكن من الواضح أن السيسي يحرق الأرض من تحت أقدامهم فلا يكون أمامهم إلا هو، وربما اعتقدوا في هذه الفترة ما اعتقدته دوائر الانقلاب داخلياً من أنه لا يوجد أمامها إلا أن تمسك في السيسي وتعض عليه بالنواجذ، لأنها تفتقد للإرادة الشعبية التي تمثل لها أملاً في كسب الإسلاميين بالانتخابات عندما يكون القرار هو انتخابات نزيهة، فتمسكت بقوة السلاح التي يمثلها السيسي.

لكن السيسي فشل وصار كلاً علي مولاه. مولاه الخليجي، ومولاه الأمريكي، لاسيما وأنه لم ينجح في شيء، ولم يكن تتوقع هذه الدوائر أن يظل كل هذا الوقت لا يستطيع أن يقمع الثورة، حتى بعد أن تم غض الطرف على مجازره التي ستظل لفترة طويلة تؤرق الضمير الإنساني.

وقد يسمح له بأن يستمر في الحكم مدى الحياة، لكن في لحظة معينة سيكون عزله ضرورة، إذا اشتد الحراك الثوري، على نحو يخيف هذه الدوائر من نجاح ثورة لن تكون في هذه المرة عاقلة أو حالمة، وستفقد الولايات المتحدة الأمريكية نفوذها، وهي المتهمة من قبل الثوار برعاية الانقلاب، وغض الطرف عن جرائمه، والسماح للقوة العسكرية الغاشمة بأن تعصف بانجاز ثورة يناير المتمثل في انتخاب رئيس مدني للبلاد.

وقد يشتد خناق السيسي على الشباب، فيدفعه لليأس من السلمية، فيكون خياره هو الانخراط في تنظيم كتنظيم الدولة، الذي يحقق انجازات نسبياً في العراق وسورية، كما أنه سيمكنه من الانتقام لنفسه، ولكرامته، من الآلة العسكرية الغاشمة، وإذا كان هدف الغرب، هو حماية أمن إسرائيل فحمايتها تكون في وجود الدولة الوطنية وليس في ضعفها، أو ترهلها على نحو يسمح بعمل مثل هذه التنظيمات التي لا يُعرف إلى اتجاه ستكون وجهتها القادمة، وإسرائيل على مرمى حجر!.

في سوريا، تكمن المشكلة في انعدام البديل، المقبول إسرائيلياً ومن ثم أمريكياً فكان استمرار بشار الأسد، كما أنه ليس لمصلحة كافة الأطراف أن تتحول مصر إلى سوريا، لاسيما وأن البديل موجود، من وجهة نظر دوائر الانقلاب إقليمياً ودولياً عندما يكون على هذه الدوائر أن تسبق الثورة بخطوة أو خطوتين، قبل انفجار الموقف.

وتبدو القوى الرافضة للانقلاب، ليس لديها أدني استعداد في حل مع وجود السيسي، إذن لابد من وجود شخص يصلح للتوافق، وهذا الشخص إلى الآن يتمثل في “الفريق سامي عنان”، أتحدث عن وجهة نظر هذه الدوائر وليس معنى هذا أن هذا الحل سيكون مقبولاً من قوى الشرعية.

فإن لم يكن هذا التوافق مقبولاً، ووجد القوم أنفسهم أمام خيار الانتخابات الرئاسية المبكرة، التي لابد أن تكون نزيهة حتى ترضي جميع الأطراف، فلن يكونوا أمام الخيار الواحد الذي يمثله الإسلاميون، الذين قد يفوزون بالأغلبية في الانتخابات النيابية، فيكون من حقهم تشكيل الحكومة، والاستحواذ على المجلس التشريعي، وهناك حساسية خارجية من سيطرتهم على المشهد السياسي كله.

و”شفيق” هنا هو “حصان” دوائر الانقلاب “الرابح”، فهو يتمتع بالميزة الوحيدة للسيسي عند بعض العوام، من حيث كونه ينتمي للمؤسسة العسكرية، وهو الآن خارجها فلن ينسب حكمه للعسكر في الجانب السلبي، وقد ابتعدنا عن ثورة يناير، وعن نظام مبارك، فلن يجد البعض حساسية في انتخاب من ينتمي لنظام مبارك.

وقبل هذا فهو ممثل للدولة العميقة، التي لم تتحمس لعبد الفتاح السيسي، ليس لأنه الأفضل ولكن لأنه لم يستطع تقديم نفسه على أنه في مستوى وقارها الشكلي، ربما كان لائقاً بمرحلة طبال لجنة السياسات، فالتأييد بالرقص هذا يدخل في باب “قلة القيمة”، فضلاً عن ان من ينتمون لهذه الدولة وبعد أن ذهبت السكرة وحلت الفكرة سقط “السيسي الأسطورة” في أعينهم، وظهرت الحقيقة بائسة، فلا كاريزما، ولا وجاهة اجتماعية!.

“شفيق”، صاحب تجربة، فقد خاض انتخابية مهمة، ورغم أنه كان ضمن ثلاثة عشر مرشحاً، فقد تمكن من خوض جولة الإعادة، ورغم انه كان تعبيراً عن الثورة المضادة، فلقد حصل على 49 في المائة من أصوات الناخبين، مع أننا كنا حديثي عهد بالثورة، حيث لم يتمكن مرشح واحد من الحزب الحاكم في الفوز بعضوية البرلمان، قبل ذلك.

كل هذا يفهمه “السيسي”، ولسوابقه في التآمر، فإنه لن يخضع بالقول، وكان طبيعياً أن يغضب “شفيق”، وبدا من خلال التنويهات التي عرضتها قناة “العاصمة” لحوار أجرته معه، أنه تخلي عن حذره وصار عاصفة، يهدد، ويصف السيسي بالعدو دون أن يسميه؛ فلا يمكن لقائد مثله أن يسلم رقبته لأعدائه، عندما سئل عن الذي يمنع من عودته لمصر!.

وفي مواجهة ذلك تدخلت السلطة المهزوزة ومنعت إذاعة اللقاء، وعندما تحول المنع إلى جريمة، بدأ التفكير في إخضاعه لمونتاج دقيق وبثه تلفزيونياً.

لقد عاد الفريق أحمد شفيق إلى رسائل “الحب العذري” فقدم استقالته من رئاسة الحزب الذي أسسه، والذي يعد أحد مصادر خوف “السيسي” من إجراء الانتخابات البرلمانية، ولن تجد الرسالة قبولاً لدى قائد الانقلاب.

فمبروم على ما بروم لا يلف.. كما يقول المثل الشعبي بتصرف!

المصدر : عربي21

2 thoughts on “سليم عزوز يكتب:السيسي وشفيق .. مبروم على مبروم!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *