وحسبي شرفًا انّها رحله اوّل مصري وطئت قدمه تلك الارض من قديم الزمان الي الان
يُقال انّ اوّل عربي وطئت قدماه ارض اليابان، كان مصريًا صعيديًا. وانّه، وقليل سبقوه، من اوائل المسلمين الذين اتصلوا بشعب هذا الارخبيل الواقع اقصي مشارق الارض علي مسافه اكثر 10 الاف كيلومتر عن مصر. وكان ممن لهم كبير الاثر الاسلامي هُناك.
هذا الصعيدي المصري العربي المُسلم، يُدعي علي الجرجاوي. دعونا نتعرف عليه وعلي رحلته الي اليابان في هذا التقرير.
تفاصيل عن ابن جرجا السوهاجي
علي احمد علي القرعاني الجرجاوي. او الشيخ علي الجرجاوي، او الشاعر او الرحّاله ان شئت، فكلها ستدلك علي ابن قريه ام القرعان بمركز جرجا التابع لمحافظه سوهاج بصعيد مصر . وكما هو واضح، فقد لُقّب بالقرعاني نسبه الي قريته ام القرعان وبالجرجاوي نسبه الي مدينته جرجا كما هو واضح.
لا يُعرف علي وجه التحديد متي وُلد، لكن يُقدر بناءً علي اهم مراحل سيرته الذاتيه، انّ ولادته كانت في الثلث الاخير من القرن التاسع عشر، فيما كانت منيّته في عام 1961. في السنين الاوُلي من حياته، وكما جرت العاده انذاك ولفتره طويله لاحقه، انتظم في الكُتاب بقريته ام القرعان، وفيه تلقي تعليمه الاوّل للقراءه والكتابه وحفظ القران، مع نتف من العلوم الدينيه.
تشتهر جرجا بمعهدها الازهري العتيق، الذي يعود انشاؤه الي عام 1596. ومن هُنا فقد اشتهرت هذه المدينه بعلماء الازهر المخضرمين، ومنهم من تلقي علي الجرجاوي علي يديه العلوم الشرعيه وعلوم اللغه، قبل ان ينتقل اخيرًا –
– الي القاهره، للالتحاق بالازهر الشريف لاكمال دراسته.
الصوره الوحيده المُتاحه للشيخ علي الجرجاوي (المصدر: gergahistory)
في عام 1907 اُنشئت مدرسه القضاء الشرعي تحت اشراف شيخ الازهر. وكان الغرض من انشائها تخريج قضاه شرعيين، ومُحامين ومُفتشين في المحاكم. عقب انشائها مُباشره التحق بها الجرجاوي، وتخرّج منها للعمل في المحاماه امام المحاكم الشرعيه التي كانت منتشره انذاك، قبل اعاده هيكله نظام القضاء.
قبل ذلك، انشا الجرجاوي صحيفه الارشاد في عام 1899، وتمرّس عبرها علي العمل الصحافي الذي فتح له مجال الاتصال بالعالم الخارجي، ومنه كانت بدايه رحلته الي اليابان. هذه الجريده اُغلقت حين سافر في رحلته، ولمّا عاد الي مصر، اصدر صحيفه اخري اسماها “الازهر المعمور” في عام 1907.
في العام 1909 ساهم في انشاء الجمعيه الازهريه، التي كانت بمثابه مرتكزٍ للازهرين المُعارضين لسياسات الحكومه والاداره الانجليزيه، وخصوصًا وقد بدا انّ للشيخ ميول قويه للثوره العُرابيه، اظهرتها كتاباته. في فترات لاحقه، تولّي الجرجاوي رئاسه الجمعيه.
«الرحله اليابانيه» .. قصه اسلام 12 الف ياباني في شهر واحد!
في عام 1907 الّف الشيخ علي الجرجاني كتابًا اسماه “الرحله اليابانيه” يعرض فيه تفاصيل التفاصيل في رحلته الي اليابان. دوافع الرحله واسبابها ونواتجها؛ كُل ذلك معروض في الكتاب الذي صنّفه مُؤلفه تحت ادب الرحلات.
بعد اكثر من عام في حرب دفعٍ ورد بين اليابان وروسيا التي سعت الي بسط نفوذها علي كوريا؛ استطاعت اليابان انهاءها لصالحها فيما عُرف بمعركه تسوشيما. تلك المعركه البحريه استمرت ليومي 27 و28 من شهر مايو 1905.
هذه المعركه القت الضوء علي اليابان، الدوله الصغيره حجمًا، باعتبارها قوه صاعده ستلعب دورًا كبيرًا في منطقتها، ولعل بعض الارقام الاحصائيه ستوضح لك اهمّيه هذه الحرب، فعلي سبيل المثال، استطاعت اليابان بـ16 قطعه بحريه عسكريه، اغراق اكثر من 21 من مثيلاتها الروسيه. وفي مُقابل 116 جُنديًا يابانيًا، سقط نحو 4 الاف و500 جندي روسي. هذا ويُشار الي ان خساره روسيا القيصريه المدويه في هذه الحرب، كانت واحدهً من ارهاصات الاضطرابات التي اودت نهايهً الي الثوره الروسيه.
رسمه تخيليه لغرق احدي السفن الروسيه في الحرب المذكوره
علي اثر تلك الحرب، وفي اطار سعيها لاعاده رسم ملامحها الدوليه، نظّمت الإمبراطورية الياباينة لمؤتمر عالمي للاديان. ووجّهت اليابان دعوات حول العالم لمشاركه ممثلين عن كافه الاديان في العالم بُغيه الحضور والمشاركه في مناظرات المُؤتمر.
وفقًا للمصادر المُتاحه بين ايدينا، والتي منها كتاب الرحله الياباني للجرجاوي نفسه، فانّ هدف اليابان من وراء هذا المُؤتمر كان المقارنه بين اديان العالم، لاختيار واحدٍ منها ليصبح الدين الرسمي الجديد لليابان، مُواكبه لما هي مُقبله عليه من مرحله جديده في تاريخها. قطعًا لا يُمكننا التثبت من صحّه هذه الروايه، بخاصه وانّ الميثولوجيا اليابانيه المُؤسسه لذاكره الشعب الياباني لا تزال كما هي منذ قرون.
علي كل حال وصل الخبر الي الجرجاوي، فسعي حثيثًا عبر صحيفته الارشاد، الي الدعوه لتشكيل وفد من العلماء المصريين يكون له سبق في تمثيل الدين الإسلامي بالمؤتمر، وبحسب قوله في كتابه، فان “مسلمو مصر اولي بان يحوزوا هذه الفضيله لوجود الازهر بين ظهرانيهم”.
دعوه الجرجاني لاقت صداها في عدد من الصحف “الاسلاميه”. لكنّه في المقابل لم يجد مستجيبًا لدعوته هذه، سوي اثنين هما الشيخ أحمد موسي المصري المنوفي امام المسجد الكبير بمدينه كلكتا الهنديه (اذ كان مُبتعثًا من الازهر)، وكذا اخر من تونس لم يرد ذكر اسمه في الكتاب.
طفقت ابحث عمّن يُرافقني من اخواني المسلمين في الرحله الي اليابان للدعوه الي الاسلام، فكان ذلك اندر من الكبريت الاحمر
انتقل الجرجاني الي قريته ام القرعان، وباع ما بحوزته من املاك، وهي 5 فدادين، ليستخدم اموالها نفقهً علي رحلته التي استغرقت جميعها نحو شهرين، عاد ليحكي تفاصيلهما الدقيقه في كتابه المتقدم ذكره “الرحله اليابانيه”.
يبدا الجرجاوي في حديثه عن رحلته، منذ استقل القطار من القاهره الي الاسكندريه، حيث منها صعد الباخره التي نقلته الي اليابان مُرورًا بالعديد من الامصار. ويُسهب في ذكر كل تفصيله راها، منذ خروجه من القاهره. كما يعرج الي الخواطر التي جاءته في اثناء رحلته، فيتوقف علي التوصيف لبرهه، يتحدث فيها عن الخاطره ويغوص قبل ان يعود مرّه اُخري الي وصف معالم رحلته. وفي كل بلد ينزل فيه، يذكر طرفًا من تاريخها، وعلاقاتها بالاسلام وكيف دخلها، او علاقاتها بالعالم الإسلامي ان لم تكن دولهً اسلاميه، حتّي انّه فعل ذلك مع المدن المصريه التي مرّ عليها في رحلته بالقطار، واخرها الاسكندريه. لم يتوقف عند ذلك في الوصف. لكنّه ايضًا اهتم بذكر طرف من عادات اهل البلد، او ما راه فيهم، ومن ازيائهم، وعن مجالهم الثقافي والتعليمي.
هذا، ويُشار الي انّ جانبًا من اسهاب الشيخ علي الجرجاوي في وصفه للبقاع التي حطّ بها، هو ما اعترف به في مقدمه كتابه، من انّ جزءًا من دافعه لخوض غمار الرحله، كان الاستكشاف والاطلاع علي العالم.
واخيرًا وصل الجرجاوي الي ميناء يوكوهاما، وهناك استقبله شيخان احدهما روسي والاخر صيني؛ صاحباه خلال رحلته في اليابان، والتي امتدت 32 يومًا.
المقال من المصدر