يقول المنطق، منذ بداية الفيلم الردئ، إن القبض على مذيع النظام العكاشي لم يكن إلا فقرة في مسلسل الإلهاء، وتحويل مجرى الكلام، بعيدا عما هو جاد. الجميع يعرفون النهاية السعيدة منذ بداية العرض، وأن مهرجان الكلام سينعقد وينفض، من دون أن يتغير من الأمر شيء، وأن المذيع في كل ذلك كان يؤدي دورا مرسوما بعناية.
لذلك، يصبح مصدر الدهشة الحقيقية في الموضوع أن هناك من يبدو مندهشا من قرار إطلاق سراحه. بدأ العرض الممل فجر يوم الذكرى الثانية لمذبحة رابعة العدوية، حيث كانت حالة التأهب الأمني على أشدها لهذا اليوم، فكان لابد من استخدام شحنة تخدير وتنويم وإلهاء، باستحداث فقرة مبتكرة، تلفت الانتباه، وتفرض موضوعا آخر على موائد الكلام، جرياً على العادة القديمة للسلطة، منذ كانت تعرض مسرحية “مدرسة المشاغبين” في الليالي السابقة على مواعيد كانت تعتبرها السلطات الأمنية عصيبة، ثم تطورت المسألة بعض الشيء، باستخدام حرب “الأهلي والزمالك” ولما كانت “مدرسة المشاغبين” ودراما حرب الكرة قد استنفدتا أغراضهما، وفقدتا تأثيرهما، بفعل التكرار الممل، كان طبيعيا التفكير في ابتكارات جديدة. غير أن للمسألة، بالنسبة للسلطة العكاشية، جوانب أخرى، تظهرها طريقة تناول وسائل إعلام النظام للقبض على المذيع، في مقدمتها أنها أرادت توجيه رسالة واضحة للجميع بأنه مسموح، بل ومطلوب، أن يتظاهر أتباعها ويعتصموا ويهتفوا ضدها، داخل أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز التي تتحول في هذه الحالة إلى “مضيفة” عامرة بكل أصناف الاحتفاء والترحاب.
بينما الثابت أن الأماكن نفسها بالنسبة للمعارضين مقرات للقتل والتعذيب والاغتصاب والسحل. ولو دققت في تغطية جميع ستوديوهات الانقلاب لخبر القبض على المذيع، كبيرهم الذي علمهم الانحطاط، ستجدها قد ركزت على جملة واحدة، تكررت في كل البرامج، تقول إن عدد الذين حاصروا مقر احتجازه وهتفوا ضد الحكومة فيه، أكبر من عدد الذين خرجوا للشوارع والميادين، إحياء لذكرى مجزرة فض الاعتصامات بالقوة المسلحة. ولعلك سمعت هتافات الفرق العكاشية وصيحاتها، والتي كانت تردد أنهم من جاءوا بعبد الفتاح السيسي حاكما للبلاد، تحت لواء رمز الوطنية الجديدة، القابع قيد الاحتجاز، بسبب حملته ضد وزير الداخلية، من وجهة نظرهم.
المصدر : العربي الجديد