المنقلب في خطاه وخُطّته لا يزال يتلمس موضع قدمه مذعورًا سواء في الداخل الذى لم نَعُد نراه إلا في وحدات عسكرية أو في منشآت عسكرية، يتخفى في حركته ومع ذلك تحيط به جوقة حرسه يحيطون به فيبدو حتى وجوده في محاضنه العسكرية مذعورًا مرعوبًا.
وها هو يضع الرئيس المدني المنتخب الذى اختطفه فى قفص زجاجي يمنع صوته ويطارد بذلك أي رواية أخرى غير روايته الانقلابية الساقطة الخائبة التي يجب ألا تنطلي على أحد، إنه مذعور حتى من الكلمات ووقعها وصدقها فيحارب الصدق من كل طريق ليمرر فعلته واغتصاب السلطة الذى يشكل جوهر جريمته. وهو كذلك يتكلم من خلف زجاجي حتى يأمن وهو يلقي كلمته.
يا الله قفص زجاجي يمنع الكلمة وقفص زجاجي آخر يحيط به حتى يلقى كلمة، لا يتحرك إلا متخفيًا مذعورًا من التواصل مع الشعب الذى ادعى زورًا أنه معه ومؤيده، وأنه اختاره فى هزلية الانتخابات الرئاسية بأرقام تستعيد النسب الزائفة والمزورة، ومع كل هذا الادعاء فإنه يخاف أن يتواصل مع أى جماهير ومذعورًا من أى جمع ولو كان يسيرا. أرأيت كيف احتفل بعيد العمال في إحدى ثكناته الأمنية أو العسكرية، وقد اعتاد أهل مصر من عمال مصر أن يحتفلوا في إحدى منشآتهم، ولكن المذعور المنقلب يقلب المعتاد مسكون بالخوف من أى مكان على طول وعرض البلاد.
وكذا الأمر ليس أفضل حالًا فى خطته الخارجية وزياراته الدولية فإن المذعور المنقلب ليس إلا ذلك الغادر الذى تطارده غدرته وغصبه واغتصابه لكل ما يتعلق بسلطانه وسلطته، مهما بعد به المكان فى كل حركة مسكون بفعلته وغدرته، يطارده قتله وترويعه، فىسفرته إلى نيويورك إبان اجتماع الجمعية العامة حاول أن يتفادى معارضيه ففعل الأفاعيل وغيّر المواعيد ومع ذلك طارده هؤلاء وحاصروه وهو يتصرف كالمذعور كمن يريد أن يفلت من المصيدة وأخذ من بطانته من يصفق ومن يدلس ومن ينافق ويدهن، جوقة الإفك تصحبه حتى مع طول سفرته، يحتمي بهم ليخفي غدرته وليغطي بهم ذعره ومخافته، وفى طريق زيارته لألمانيا طاردته كلمات رئيس البرلمان الذى رفض مقابلته كاشفًا وفاضحًا لغدرته، وفي هذه المرة صحبه وفد من الفنانين ظنًا منه أن هؤلاء يمكن أن يسكّنوا خوفه أو أن يمنعوا عنه مطاردة غدرته.
وها هو المنقلب المذعور يقوم بكل فعل لتمرير انقلابه وغدرته، إنّه يريد مع كل زيارة أن يحمل رشوته ظنًا برشوته تلك أنه يمكن أن ينال بعضًا من شرعنة فعله المغتصب والمنتهك لكل حقوق الإنسان الأساسية والتأسيسية، لا يهمه دماء يريقها أو أنفس يطاردها أو يعتقلها، يعقد “صفقة الرافال” الفرنسية رشوة، ويعقد “صفقة السيمنز” الألمانية متخيلًا برشاه هذه يمكن أن يكتسب شرعية أو يشترى رضا أو على قاعدة من هذا يمكن أن يتغافل عن غصبه وغدرته، إنها حال المذعور “كاد المريب أن يقول خذونى”.
ولكنه هذه المرة يتلقى لطمته من حيث لا يحتسب، إذ هاجمت طالبة بكلية الطب في “جامعة ماينز” المنقلب، في ختام المؤتمر الصحفي الذي جمعه بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالعاصمة برلين. وتوجهت الطالبة، للسيسي بحدة، قائلة “أنت قاتل.. أنت نازي.. أنت فاشي”، كما هتفت بغضب “يسقط حكم العسكر.. أنت ظالم”، بحسب ما نقله موقع “شبيجل أون لاين” الألمانية، وأضاف ذات الموقع – أن صحفيين مصريين حاولوا الشوشرة على انفعال الفتاة، عبر هتافات: “تحيا مصر.. تحيا مصر”. جوقة السيسى التى اجتلبها من مصر من صحفيي الإفك تحاول أن تهدأ من ذعره وتحاول أن تطرد غدرته وفعله الانقلابي، ولكن منذ متى يمكن أن يفلت الغادر بغدرته. انتهى المؤتمر الصحفي بما يلجمه ويفضحه.
كان من المفترض وفقاً لما كان معلنًا منذ فترة أن تكون وجهة الطائرة الرئاسية التي تقل المنقلب المذعور إلى الغرب حيث لندن، غير أن سببًا ما غير مفهوم، حولت وجهته للناحية المعاكسة تمامًا، إلى الشرق حيث استهل جولة آسيوية بدأها بالعاصمة الروسية موسكو، يفسر المعارضون له تحويل بوصلة الزيارة إلى الشرق الآسيوي بدلًا من الغرب بتجنب احتمال ملاحقته قانونيًا وإلقاء القبض عليه في لندن التي أقيمت فيها دعاوى قضائية ضده باتهامه بقتل المئات من المواطنين المصريين، فرغم كل الترتيبات التي أعلنت، ومنها ما خص الجانب البريطاني بعدم الممانعة في استقباله، ألغيت الزيارة، أو أرجئت وفق آخرين مؤيدين للسيسي يؤكدون أن الهدف من استبدال الشرق بالغرب، هو من أجل العمل على عزل الغرب، حيث شعرت الولايات المتحدة – مثلًا – بالعزلة بالفعل، هكذا انطلقت جوقة الإفك لتبرر تغيير مسار رحلته.
هذه المرة إنه يريد أن يتخير مسار رحلته بما لا ينغص عليه سفرته، سيذهب إلى دول لا تتحدث عن ديمقراطية آمنة مؤمنة يرتاح فيها استبداده ويأمن فيها من مطاردة غدرته، لأن المنقلب المذعور أراد أن يخطط كل شىء فى محطات رحلته، إنه خط سير أمانه يسلكه حتى يبلغ مأمنه، إلا أنه يشاء العلي القدير ألا تنتهي رحلته إلا أن تذكره بغدرته وقتله وسفكه الدماء، نظمت منظمة المجتمع الإندونيسي لحقوق الإنسان والإنسانية مظاهرة أمام القصر الجمهوري في إندونيسيا رفضًا لزيارة المنقلب وطالب المشاركون بمحاكمته، كما رفعوا لافتات تندد بالزيارة، وتدعو لسقوط حكم “الديكتاتور” وتشبهه “بنتنياهو”، إنها غدرته تطارده فى كل مكان.
ومن ثم فإننا نتحداه أن يسافر الى لندن، إذ هللت الجوقة الإعلامية لدعوة “كاميرون” له لزيارة بريطانيا وارتفعت أصواتهم “العالم كله يخطب وده”، مع تحذير محامين مدافعين عن حقوق الإنسان كبار المسؤولين في نظامه، من أنهم قد يتعرضون للاعتقال حال وصولهم إلى لندن تلبية لدعوة من الحكومة البريطانية، وذلك بتهم تتعلق بجرائم ضد الإنسانية. وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون دعا المنقلب في يوليو الماضي لزيارة بريطانيا، لكن المنقلب المذعور أرجأ الزيارة خوفًا من أن يتعرض هو أو أعضاء آخرون “في نظامه العسكري” للاعتقال إذا ما سعى محامو حقوق الإنسان إلى استصدار مذكرات بذلك من المحاكم البريطانية ضمن اختصاصاتها الشاملة فيما يتعلق بالجرائم الجماعية، على حد تعبير صحيفة غارديان. وأعرب المحامي المختص بجرائم الحروب توب كادمان عن اعتقاده بأن خوف السيسي من الاعتقال كان “أحد الأسباب وراء عدم قدومه” حتى الآن لبريطانيا.
خاف المذعور المنقلب وقلب زيارته من الغرب للشرق، وواصل رحلة خوفه التى منعته من حضور القمة الإفريقية فى جنوب إفريقيا، إنه المنقلب المذعور الغادر حينما تسكنه غدرته وحينما تطارده غدرته وسجل جرائمه.
المصدر : مصر العربية
سيف الدين عبدالفتاح يكتب: المنقلب المذعور