بمجرد الحديث حول توافق ثوري في مصر تجد أن هناك الكثير من العقبات تواجه كل القوى الثورية التي شاركت في ثورة يناير وفي القلب من هذه القوى اليسار المصري بمختلف توجهاته وتنوع أفكاره، وأيضًا التيار الإسلامي وفي القلب منه جماعة الإخوان المسلمين، والحقيقة أن التوافق يعني بشكل واضح أن يتغافل كل فصيل عن آلام قد لحقت به نتيجة سوء تقدير أو سوء تصرف من الفصيل الأخر.
فإذا تحدثنا أولًا عن الصعوبات التي تواجه اليسار فمن الإجحاف أن يظن البعض أن اليسار في مصر لم يعانِ مع التيار الإسلامي منذ تنحي مبارك وحتى قيام الانقلاب العسكري أو أن غضبه كان مفتعلًا، فقد كان محقًّا في العديد من المواقف وقد أساء التقدير فيها أبناء التيار الإسلامي.
ففي تقديري قد يكون أول المطبات الصعبة التي مر بها اليسار مع التيار الإسلامي هو الخطاب السياسي الذي تبناه التيار الإسلامي منذ بداية الثورة والذي تحدث فيه عن أنهم لن يكون لهم مرشح في انتخابات رئاسة الجمهورية، وهذا الخطاب قد تبناه التيار الإسلامي حتى يطمئن الغرب على طبيعة الثورة التي تمت وحتى يحافظ على العلاقة الحسنة بينه وبقية فصائل الثورة، إلا إنه أثناء التطبيق العملي لم يلتزم التيار الإسلامي بما وعد به مسبقًا (بغض النظر عن المبررات)، ولعل من أهم هذا المواقف اللحظات الحرجة التي مرت باليسار المصري في أحداث محمد محمود والتي كلفته الكثير من الشهداء على أيدي العسكر دون أن يجد نصرة حقيقية من أبناء التيار الإسلامي، بالرغم من أن طلباتهم كانت تتمحور حول إلزام العسكر بتسليم السلطة لرئيس مدني منتخب، وكان من أهم ثمار وقفتهم هذه إجبار المجلس العسكري على تسليم السلطة لأول رئيس مدني منتخب، وأخيرًا فإن بقية مظاهر الاختلاف التي أثارها اليسار ضد التيار الإسلامي بعد الثورة كنت أراها بسبب أن اليسار كان طرفًا فاعلًا وحقيقيًّا ومؤثرًا في الثورة، ولم يجد نفسه شريكًا في السلطة.
أما عن عقبات التوافق التي تواجه التيار الإسلامي مع اليسار فإن أهمها يكمن في أن الكثير من رموز اليسار قد شكلوا في الكثير من الأحداث غطاءً سياسيًّا للبلطجية ولدولة العسكر من أجل قتل أبناء التيار الإسلامي وإراقة دمائهم، حتى إن أبناء التيار الإسلامي لم يتمكنوا في فترة من الفترات من إيجاد فارق إنساني وسياسي بين البلطجية وبين شركاء الثورة بعدما استشهد من أبناء ذلك التيار آلاف الشهداء في مختلف الأحداث!
فيصعب على أي منصف أن ينسى مشاهد محاصرة قصر الاتحادية أثناء رئاسة الرئيس مرسي، وعبارات السب المهين التي كتبت على سور القصر، ومحاصرة مكتب الارشاد في المقطم والهجوم عليه وتقطيع البلطجية لأجساد من حاولوا أن يدافعوا عنه، وحرق مكاتب حزب الحرية والعدالة في الكثير من الدوائر والمحافظات، وهذا فضلًا عن التأييد السياسي والمشاركة التي تمت من اليسار في الثلاثين من يونيو والمطالبة المستمرة بفض الاعتصامات في رابعة والنهضة ومباركة انقلاب العسكر على أول رئيس مدني منتخب، وهو ما استغله قادة العسكر في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في حق معارضي حكمهم منذ الانقلاب العسكري وحتى اليوم.
أعلم أن التوافق ضرورة ملحة لإزاحة الحكم العسكري عن مصر لذلك فأنا أثمن جدًّا وأقدر البيان الصادر مؤخرًا عن الاشتراكيين الثوريين في هذا الصدد، والمحاولات التي يقوم بها العديد من الرموز السياسية من مختلف التوجهات والأطياف، ولكن يجب ونحن نسير في هذا الصدد أن نفرق بين الأخطاء في القرارات السياسية وبين القرارات والأفعال التي نتج عنها إراقة دماء أبناء الشعب المصري منذ بداية ثورة يناير وحتى الآن، وأن هذه الدماء لم تتوقف هذه الدماء عن النزيف ولم يحاكم أي مجرم مهما كان موقعه الإداري أو انتماؤه السياسي، وبدون الاعتراف بالأخطاء لن يكون هناك توافق حتى وإن رسم على بعض الوجوه ابتسامات مزيفة في لقاءات عامة تخفي جمرًا يؤلم القلوب
المصدر : هافينجتون بوست عربي
وليد شرابي يكتب: ألغام التوافق الثوري