بشكل صريح ومباشر، يحسد المعتز بالله عبد الفتاح، الطفل المريض الذي يحرص عبد الفتاح السيسي على الظهور معه، كرجل للخير والبر والإحسان، يحسده على نعمة السرطان، ويغبطه على أن الجنرال يفضله للعب شخصية الراعي الرسمي. وعلى نحو أكثر صراحة، يطلب المعتز من المصريين أن يشكروا الله على نعمة العسكرة، حتى تظن أنه لن يمر وقت طويل عليه، ليقترح إدراج سور الكلية الحربية والنصب الاذكاري للجندي المجهول ضمن أماكن دور العبادة، وأن ينظر البرلمان المقبل في إصدار تشريع يلزم كل المؤسسات الحكومية والخاصة، والشركات والمصانع والملاعب وملاهي الفضائيات الليلية، بتعليق لافتة على مداخلها مكتوب عليها “هذا من فضل السيسي وجيشه”.
يخرج المعتز بالله عبد الفتاح لسانه للطفل السوري الشهيد، ويكاد يقول له “عندنا سيسي وأنتم لا”، ويتفوق على ذاته في عبادة السيسي وجيشه، بمقال سيسجله التاريخ كأسوأ ما يمكن لباحث علوم سياسية أن يكتبه.
وتدهشك هذه المهارة العجيبة في التقاط التوقيتات، إلى الحد الذي تحتار معه، هل يحدث قبل النشر أن يرسل “عبد الفتاح” إلى “السيسي” للمراجعة والتعديل، أم أنه العكس، حيث يرسل “السيسي” إلى “عبد الفتاح” للتصحيح والنشر فورا. عاد الجنرال من جولته محقونا بكمية هائلة من “البوتينية” دفعته إلى أن يكون أول مكان يذهب إليه بعد الرجوع هو الكلية الحربية، ليقول للمصريين بشكل عملي: أنتم رعايا الدولة العسكرية، وعبيد إحساناتها، ويقول لطلاب الحربية أنتم حكام المستقبل وملاكه، ثم يجدد تهديده وتحذيره لمن يعترض”عاوزين تبقوا زي سورية والعراق” .
الرجل الذي أقسم بالله حين كان وزيرا للدفاع، منقلبا، أنه، ليس لديه أو لدى الجيش أي مطمع في الحكم، ثم كرر القسم “لا والله ما حكم عسكر”، يكاد يكون الذهاب إلى الكلية الحربية فقرة ثابتة، متممة لكل زياراته الخارجية. لا يرتدي الجنرال ملابسه الرياضية، ويركب دراجته، مرة، ويذهب إلى عمال المحلة أو كفر الدوار، أو طلاب جامعة القاهرة أو الأزهر، دائما محيط بالعسكر، ومحاط بهم، في رسالة واضحة للكل: مصر جيش نشأت له دولة، وليست دولة أنشئ لها جيش، يرددها فعلا وقولا: نحن سلطة عسكرية صريحة، وإلا مصير السوريين اللاجئين المهاجرين ينتظركم.
يكشف كل ما يدور في مصر هذه الأيام عن سيناريو لقطع الطريق أمام من يفكرون في دولة مدنية، ليبقى كل شيء في يد العسكريين، ويدور في فلكهم، بدءا من البرلمان وحتى زجاجة الزيت وولاعة السجائر، وليست عمليات قطع الرؤوس المدنية التي شاركت في عملية الثلاثين من يونيو/ حزيران، سوى ترسيخ لفكرة أن المؤسسة العسكرية، وليست النخب المحركة لقطاعات من الجماهير، هي التي أطاحت الرئيس المنتخب، وقضت على ” مؤامرة 25 يناير”، وبالتالي لا فضل لأحد على الجنرالات في إيصال واحد منهم إلى سدة الحكم.
المصدر : العربي الجديد