رغم شدة الضربات التى وُجهت صوب قيادات وكوادر جماعة الإخوان المسلمين ، فقُتل من قُتل وجُرح من جُرح، وسُجن من سُجن وعُذب من عُذب، ولم تتوقف قوات الأمن عن مطاردة الكثير منهم ومصادرة أموالهم، فضلاً عن الحملات الإعلامية المستمرة ضدهم كأشخاص وأفكار ومعتقدات، وكذلك فإنك ترى الأحكام الصادرة ضدهم بالإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة والمؤقتة وبالسجن والحبس، تراها بصورة يومية اعتيادية وكأنها أخبار الطقس أو أخبار البورصة أو توقعات أبراج الحظ.
رغم شدة تلك الضربات، إلا أن جماعة الإخوان المسلمين مازالت صامدة بصورة هائلة يشهد لها العدو قبل الصديق، والمختلف عما ذى قبل، منذ قيام ثورة يناير وحتى الآن، هو أن التاريخ يسجل كل صغيرة وكبيرة تحدث فى مصر والعالم بأسره، نظراً لانتشار الأقمار الاصطناعية وقنوات الدش المفتوحة والمشفرة، وشبكات الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعى، ولذلك فكل ما يحدث فى مصر يُنقل بصورة مباشرة إلى كل أنحاءالعالم، مما أعطى لها ردود أفعال مؤثرة، من وقفات واحتجاجات ومؤتمرات تنديداً لها، فى معظم دول العالم، وخاصةً الغربى منها.
لم تتوقف الحرب على الإخوان المسلمين باستعمال السلاح من قوات الأمن والجيش، بل اصفْت جميع وسائل الإعلام الرسمية ومعها تلك المسماة بالمستقلة، صغيرها وكبيرها، حتى إذاعة القرآن الكريم، دائمة التنديد والسب والشتم لكل من يقف ضد النظام، دون تفرقة بين ما هو سلمىٌ وما هوعنيف.
وشارك فى تلك الحرب البلطجية وأصحاب السوابق الجنائية من الجنسين، وكذلك سائقو “التوك توك”، وتجار المخدرات وأصحاب رؤوس الأموال، ولم يتأخر الفنانون والفنانات، من اعتزل منهم ومن لم يعتزل، حتى من بات القبر أقرب إليه من مدينة الانتاج الإعلامى، عن المشاركة القوية فى تلك الحرب الكبرى ضد جماعة الإخوان المسلمين، فخرجت الفنانة الكبيرة السيدة “سهير البابلى” لتشتم الإخوان المسلمين، وتبعها العديد ممن اعتزلن الفن وارتدين الحجاب ثم خلعنه، وتبعها كذلك عوام الناس، وخاصةً الجهلة منهم، وأصبح كل من يتعاطف مع الإخوان مُعرضاً لأن يُحاكم بتهمة الإرهاب، وباتت جماعة الإخوان المسلمين وكأنها بقرة مذبوحة ينهش فى لحمها كل من يرغب فى أكل لحم أخيه ميتاً، ولكن هذه البقرة لم تزل على قيد الحياة تزداد قوةً وسحراً وجمالاً، ويشرب من لبنها القاصى والدانى، من يحبها ومن يكرهها.
أما النخبة المصرية والتى ظهرت على المسرح السياسى والإعلامى فى أواخر حكم مبارك وابنه جمال، وإبان ثورة يناير، والتى أصبحت رموزها كنجوم هوليود فى القنوات الفضائية المصرية والعالمية، قادت هذه النخبة التمرد ضد نظام مرسى والإخوان فى 30|6 وتعاونوا مع الجيش لعزل مرسى، رغم أن منهم الكثير الآن قد ندم على ما فعل فى 30| 6 ، بل منهم من زُج به فى غياهب السجون المظلمة، انتقاماً منه لمشاركته فى ثورة يناير كعلاء عبد الفتاح وأحمد دومة وأحمد ماهر ومحمد عادل وغيرهم الكثير.
وهناك من أيدوا الإخوان أثناء توليهم الحكم، وعند رؤيتهم العسكر يكشرون عن أنيابهم ويستعدون للإجهاز على الإخوان سرعان ما سلموا أنفسهم لهم.
ويعانى الإخوان أيما معاناة من مهاجمة طوائف عديدة، والطريف أن تلك الطوائف متناقضة التوجهات والمعتقدات، فى الأصل يحارب بعضُها بعضاً، منها من ينتقد الإخوان لأنهم يواجهون الانقلاب بصورة سلمية بعيدة عن العنف، وأنهم لابد أن يتعاملوا بالقوة لإعادة مرسى للحكم، فالسلمية من وجهة نظرهم لا تُسمن ولا تغنى من جوع.
فى المقابل ترى طوائف أخرى تهاجم الإخوان لمقاومتهم للنظام الحالى، وعدم استسلامهم للأمر الواقع، وكيف لا يستسلمون وهم ليس بيدهم أن يغيروا من الأمر شيئاً؟ ،ولم تتوقف تلك الطوائف عن إلصاق تهمة الإرهاب بجماعة الإخوان المسلمين، فى كل وسائل الإعلام.
وهناك طوائف أخرى تائهة ما بين طرفى النزاع فى مصر، فمرة تراها مؤيدة للنظام الحالى، ومرة أخرى تراها متعاطفة مع الإخوان، ومن المدهش أن يحدث ذلك التنقل ما بين الطرفين فى اليوم الواحد فقط.
هذا من جانب الطوائف والجماعات، أما من جانب الدول فلم تقف مع الإخوان سوى دولتين هما تركيا وقطر، لكن على الجانب الآخر ترى دولاً بعينها تحارب الإخوان بصورة علنية ومباشرة، فها هى إسرائيل تعلن تأييدها للنظام الحالى بكل قوة، وتقوم دولة الإمارات بتأييد النظام الحالى سياسياً ومالياً، بصورة فجة وباستفزاز منقطع النظير وبتدخلٍ واضح فى الشئون الداخلية المصرية، أما الكويت والسعودية فمساعدتهما للنظام الحالى المالية والسياسية لم تضعف منذ 3|7|2013، وهناك من الدول من لها دورٌ ضعيف فى مساعدة النظام، وقليل من الدول تتعامل بسلبية معه.
الخلاصة أنه بالرغم من شراسة الحرب التى تُشن ، إلا انها لم تزل صامدة صابرة، ومن العجيب أن تُرجع وسائل الإعلام الرسمية كل مشكلة أو كل حدث إلى الإخوان، ولو كان هذا الحدث مناخياً أو فلكياً أو رياضياً .
وواضح أيضاً أن الإخوان المسلمين -رغم المشكلات الداخلية- أنهم يسيرون وهم يعرفون طريقهم، ويعرفون المعوقات التى تقابلهم، ويعرفون كيف يتحاشونها، وقد أعلنوا أن السلمية مهما كانت ضريبتها، وربما يطول بهم الزمن بسببها، هى طريقهم الوحيد، اختلف معهم من اختلف عارضهم من عارض.
المصدر : كلمتي
شوكت الملط يكتب: “الإخوان المسلمون” بين الطوائف الجائرة والطوائف الحائرة