تعريف الإسقاط النفسي في علم النفس هو مجموعة من التبريرات والأعذار التي تُلقى من الشخص المصاب بهذه الخصلة على الدوام على من حوله سواءً كانوا أشخاصاً بعينهم أو على أحوال وظروف تجري من حوله، ومقصده من إلقاء هذه التبريرات والأعذار هو التهرب من المسؤلية الفشل أو الخلل الذي وقع به في ناحية من نواحي حياته.
و لذا فلا عجب حينما تسمع من بعض “مناهضى الانقلاب”، فى الفترة الأخيرة نبرة مرتفعة تتهم الرئيس مرسى بالسذاجة والسطحية وضيق الأفق ، وأنه لم يكن يحسن اختيار وزرائه، وقد أخطأ فى اختيار السيسى وزيراً للدفاع، الذى استطاع خداعه ومراوغتهثم تمكن منه وقام بعزله والإطاحة به وسجنه ومحاكمته وهو الشريف الطاهر الأمين.
هؤلاء المنتقدون هم زملاء الأمس واليوم، هم الذين طالما ساندوا مرسى والإخوان، طوال العام الذى حكموا فيه، بل وبعد الانقلاب عليهم، ولا يجادل أحد فى إخلاصهم ولا يشكك أحد فى وطنيتهم أو فى دينهم، ولا يخفى على أحد أن هناك من الجماعات الإسلامية من ارتكب الكثير من أعمال العنف منذ منتصف السبعينات، ومنها جماعة “التكفير والهجرة” و جماعة (الجهاد) “المصرية” وغيرها من الجماعات الإسلامية، وقد تلاشت جماعات منها، أما الجماعات التى استمر تواجدها على الساحة فقد قامت بإجراء مراجعات لأفكارها، وأبدت اعتذارها للشعب المصرى عن أعمال العنف والإرهاب التى قامت بها .
ولا يسطيع أحد أن يدعى أن تلك المراجعات تمت تحت إكراه من وزارة الداخلية، لأن زعماء تلك الجماعات لم تزعم ذلك، بل إن الكثير منها مازال متمسكاً بنهجها الذى انتهتإليه بهجر أعمال العنف والإرهاب، المهم أنهم عادوا لالتزام معظم أفكار ومبادئجماعة الإخوان المسلمين، بعد أن توعد أحد زعماء تلك الجماعات وهو فى السجنأن أول ضحاياه بعد خروجه من السجن هو مرشد الإخوان.
توصلت تلك الجماعات إلى فشل وسائل العنف والإرهاب فى الوصول لكرسى الحكم وتحكيم الشريعة الإسلامية، وأنه لا سبيل إلى تحقيق الأهداف المرجوة إلا اتباع الوسائل التى استخدمها رسول الإنسانية “محمد بن عبد الله” صلى الله عليه وسلم، الأمر الذى انتهجته جماعة الإخوان منذ نشأتها.
من يقرأ التاريخ البشرى بعمق يعلم الكثير من مواقف الخيانة التى تعرض لها الحكام والزعماء والقادة، مهما بلغت عبقريتهم، فخير البشرية تعرض للقتل خيانةً من اليهود فى المدينة المنورة، وما أكثر مواقف الخيانة والغدر التى تعرض لها الرسول صلى الله عليه وسلم من المنافقين وزعيمهم “عبد الله بن أُبى بن سلول”.
صفحات تاريخ العرب زاخرة بمواقف القتل والغدر والخيانة التى تعرض لها القادة والزعماء العرب، ولم ينسَ المصريون غدر عبد الناصر وضباطه
لرئيسهم “محمد نجيب” الذى قضى بقية عمره فى “المرج” سجيناً مهاناً بعد أن قاد هؤلاء الخونة للوصول لحكم مصر، وهناك روايات أن عبد الناصر قُتل بتقديم السُم له، بعد أن خان رفيق عمره المشير عبد الحكيم عامر، فضلاً عن الخيانات الكثيرة التى وقعت للكثيرين من معاونى الحكام والزعماء فى مصر، ولم يذكرها التاريخ حتى الآن.
نعم هناك الأخطاءالكثيرة التى وقعت من مرسى ومن الإخوان فى حكمهم الشكلى لمصر، ومعنى الشكلى أنهم لم يُمكّنوا من التحكم فى آليات الحكم حتى تم الانقلاب عليهم، ولو نجح “أحمد شفيق” أو “حمدين صباحى” أو “عبد المنعم أبو الفتوح” أو غيرهم فى الوصول لحكم مصر، فهل يضمن أحدٌ من الخبراء الاستراتجيين ألا ينقلب عليهم العسكر؟.
ويكفى الإخوان المسلمين أنهم اجتهدوا فى خدمة المصريين لعشرات السنين، رغم أن الحرب عليهم من الداخل ومن الخارج لم تتوقف، ومع ذلك حققوا نجاحات لا ينكرها إلا جاحد، هذه النجاحات لم يستطع أى تيار أو فصيل أو زعيم تحقيقها طوال الفترة السابقة، والمشكلة التى يعانى منها منتقدو الرئيس مرسى و الإخوان والتى لا يريد أحد أن يحددها بدقة، هى أن نَفس هؤلاء المنتقدين قصير، أما نَفس الإخوان المسلمين فى مقاومة الظلم فطويل طويل، وقد اكتسب الإخوان تلك السِمة جيلاً بعد جيل.
فلنُظهر الحقيقة للناس كل الناس، أن مقاومة الظلم والطغاة تحتاج لجهدٍ جهيد وأجيال تربت على القوة والصبر والإصرار على تحقيق الأهداف المرجوة مهما طال الزمن.
فإذا لم تكن لديك تلك الأمور الجوهرية، فلتقل خيراً أو لتصمت.
المصدر : كلمتي