الدكتور محمد محسوب:
من سيخرج من التاريخ.. مصر أم عرابو الانقلاب؟
يتصدرون شاشات التلفزيون المصري العام والخاص مشتكين من قدر الكوارث التي يتخبط فيها الوطن.. شعبا ودولة؛ ويطالبون السيسي بأن يُصارح الشعب بالحقيقة دون تجميل وأن يحدد رؤية للمستقبل دون مجاملة.. وكأنه لم يُصارحهم بالقمع والفشل بما يكفي.. ولم يعلن دون مواربة أنه بلا رؤية أو برنامج.. ولم يبدد ثروات أجيال في مشروعات خائبة.. ولم يوقع معاهدات فرطت في مصدر حياة أمة..!!
ربما أن هؤلاء لا يستحقون عناء الرد بعد أن زينوا الانقلاب على طريق اختاره الشعب بنفسه لأول مرة في تاريخه الحديث، وبعد أن مهدوا الطريق للانقلاب على حساب فترة انتقالية كان يمكن أن تحمل مصر إلى عالم مختلف وإلى طريق محدد المعالم، مخاطره مُقدرة ومكاسبه مؤكدة..
اليوم يشتكون من هول الحال الذي وضعوا الوطن فيه.. ومن سوء المآل الذي ينتظر مصر إن استمرت في نفس الطريق.. وهم مدركون أنهم من وضعوا الوطن بيدين ملوثتين بدماء شبابه، لا يملك أي ملكات ولا يحمل أي رؤية.. إلا إذا كان صناعة الجهل والكراهية ملكة، وقتل النفوس والأوطان رؤية.
هم من شحنوا قلوبا بالحقد حتى أثمرت كراهية وانقساما، وزوّروا الحقائق وأخفوا الوقائع حتى تصوّر كثيرون أن الانقلاب على الديموقراطية ينقل مصر إلى جنة ورفاهية وأن قيادة عسكرية كفيلة بأن تُحلق بنا في سماء الأحلام وتتجاوز كل المشكلات وتحل كل الأزمات.
هم من ساروا عكس التاريخ بالبحث عن وصفات سحرية في ماضيهم المفلس، ويحذروننا اليوم أن مصر ستكون خارجه إن لم يتفتق ذهن الجنرال عن رؤية !!
لكني أبشرهم أو أنذرهم بأن مصر لن تخرج من التاريخ بل هم من خرجوا منه.. وأن ذهن الانقلاب وعرابوه لن يتفتق فجأة عن رؤية افتقدوها منذ عشرات السنين ولم تُولد بعد عودتهم الدموية..
فقط ثورة يناير هي من حمل رؤية واضحة صاغها الشعب بمعاناته لعشرات السنين وبدمائه في حراك مستمر منذ خمس سنوات..
عنوانها: عيش. حرية. عدالة اجتماعية. كرامة إنسانية، لخّصت كل مطالب فئاته، ووضعت بناءً تحتيا لمانفيستو ثورة كاملة وعصر كامل.. وأثبتت أنها عصية على الكسر حتى بانقلاب مسلح.. وعصية على التغييب حتى بتشويه أقلام احترفت التشويه..
ثورة يناير عائدة.. لم تُعط تاريخا لعودتها لكنها حسمت قرارها..
وكل الهمّ الذي وضعتم فيه بلدا فتيا سيذهب مع انقلابكم بفكره المهلهل ووجهه القبيح.. وسيبقى البلد ويبقى أبناؤه ليصنعوا ما عجزتم عن فهمه.. بلدا حرا وشعبا كريما وحياة آدمية.