سبتمبر 28, 2023

صراع «المماليك الجدد» في مصر

بقلم د. خليل العناني:
فجأةً، ومن دون مقدمات، شنّت وسائل إعلام مصرية (مقروءة ومرئية) حملة على «وزارة الداخلية» بسبب ممارساتها القمعية، خصوصاً في السجون ومراكز الشرطة. وقد بدأت الحملة بتحقيق موسع نشرته صحيفة خاصة على عدة صفحات، واستعرضت فيها قضايا الفساد والرشوة والبلطجة التي يمارسها ضباط الشرطة ومساعدوهم من الأمناء على الشعب، ما دفع الوزارة إلى الرد على الصحيفة ومقاضاة الصحافيين الذين نشروا هذا الملف الجريء.
وما لبثت أن حذت وسائل إعلام أخرى حذو هذه الصحيفة بالهجوم على «الداخلية». وكانت المفاجأة أن تنشر إحدى الجرائد المملوكة للدولة، «الأهرام»، تحقيقاً مشابهاً عن ممارسات وزارة الداخلية في أقسام الشرطة، حمل عنواناً مثيراً هو «في أقسام الشرطة.. من لم يمت بالتعذيب مات بالاختناق»، وجهت فيه النقد لممارسات الوزارة مع المحتجزين والمعتقلين داخل أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز. وخلال الأيام الماضية، تكررت شكاوى الإعلاميين من سوء معاملة الشرطة لهم، سواء في المواصلات أو في الكمائن أو في الطرقات، ما أثار حيرة كثيرين ودهشتهم.
«انقلاب» الإعلاميين المؤيدين للانقلاب على وزارة الداخلية، وبقدر ما يثير تساؤلات كثيرة، خصوصا في ظل العلاقات الوثيقة بين الطرفين، إلا أنه قطعاً لا يؤشر، بأي حال، على «صحوة ضمير»، أو «نوبة شجاعة» انتابت هؤلاء الإعلاميين، وجعلتهم يقررون كشف جرائم «الداخلية»، خصوصاً أن كثيرين منهم شركاء في هذه الجرائم، من خلال التحريض والتشجيع والمباركة. بل إنهم مسؤولون، بمزايداتهم ونفاقهم، عن حالة «التوحش» التي أصابت «الداخلية» وجعلتها تبطش بالمعارضين، وبكل من يخالف النظام، طوال العامين الماضيين.
كما أنه لا يمكن اعتبار ذلك أيضا مؤشراً على أن هؤلاء الإعلاميين بدأوا يدركون مخاطر الهيمنة التي تفرضها «الداخلية»على مؤسسات الدولة، وأحزابها وانتخاباتها وإعلامها وسياسييها، وإنما التفسير الأقرب للواقع أننا إزاء فصل جديد من صراع الأجنحة وتصفية الحسابات داخل مؤسسات الدولة والحكم، بحيث يسمح لبعضهم إحكام السيطرة والتحكم في هذه المؤسسات.
فمنذ إطاحة الوزير السابق، «محمد إبراهيم» وتعيين «مجدي عبدالغفار»، قبل أقل من شهرين، وثمة صراع مكتوم بين رجال الوزيرين القديم والجديد الذي قام بأكثر من عملية تدوير وتغيير لقيادات الأجهزة الأمنية في الأقسام والمحافظات، من أجل ضمان ولائهم. كما أن ثمة أحاديث حول محاولة اللواء «أحمد جمال الدين» المستشار الأمني للجنرال «عبد الفتاح السيسي» بسط سيطرته على وزارة الداخلية، والتحكم بها على حساب الوزير الجديد. والمعروف أنه كانت هناك خلافات كثيرة بين «جمال الدين» و«إبراهيم» في أثناء وجود الأخير في الوزارة.
من جهة أخرى، قد يتم تفسير «الانقلاب الإعلامي» على وزارة الداخلية بمحاولة نظام «السيسي» تخفيف درجة الاحتقان التي تراكمت طوال الفترة الماضية، بسبب جرائم «الداخلية»، خصوصاً في أقسام الشرطة، والتي راح ضحيتها عشرات حتى الآن. وربما ثمة استشعار لدى الأجهزة السيادية بأن استمرار هذه الممارسات قد يؤدي إلى انفجار الوضع، وخروجه عن السيطرة.
والمؤكد أن تقارير استخباراتية تم رفعها للسيسي بشأن هذه المسألة، ما قد يكون قد دفعه لتحريك بعض الأذرع الإعلامية لمهاجمة «الداخلية» وغسل أيديه منها، وإبراز عدم رضاه عنها وعن أدائها وجرائمها. وهو سيناريو معروف ومكرر منذ أيام «حسني مبارك» الذي كان يوبخ وزراءه أو يطلق بعضاً من رجاله في الإعلام عليهم، تمهيداً لخلعهم، أو لتخفيف درجة الاحتقان في الشارع.
وبعد أن تحولت مصر إلى مناطق نفوذ مقسمة بين الجيش والشرطة ورجال الأعمال، فإنه لا يمكن أيضا استبعاد أن ما يحدث الآن عملية «كسر عظم» بين هذه الأطراف الثلاثة، من أجل زيادة مساحة نفوذها وتأثيرها. ويمكن القول إن الطرفين الأول والثالث «الجيش ورجال الأعمال» يمتلكون التأثير الأكبر على وسائل الإعلام أكثر مما يمتلكه الطرف الثاني «الشرطة أو وزارة الداخلية». ولا يمكن لأي صحافي، أو إعلامي، أن يتحرك وينتقد وزارة الداخلية من دون الحصول على «ضوء أخضر» من أحد هذين الطرفين.
فالأذرع الإعلامية تحركها تعليمات صريحة وواضحة من مكتب الرئيس، وذلك على طريقة «أنت بتكتب يا أحمد». أما رجال الأعمال فمتحكمون في مصائر ورقاب إعلاميين كثيرين بسبب الأموال الضخمة التي يجري إنفاقها على القنوات الفضائية وبرامجها. ولا يمكن لأي إعلامي أن يخرج عن حدود الدور الذي يحدده له مالكو هذه القنوات، وإلا فهو يغامر بمستقبله، وبالملايين التي يجنيها من العمل في تلك القنوات.
نحن، إذاً، إزاء مشهد «صراعي» بامتياز، تتنافس فيه القوى السلطوية والأجهزة الفاسدة، من أجل إحكام سيطرتها على الدولة والمجتمع. وكل طرف يستخدم كل أدواته من أجل التأثير على صورة الطرف الآخر ومصالحه، تمهيداً للتخلص منه، أو تقديمه «كبش فداء» لحالة الغضب المتزايدة في مصر. وإن شئت قل إننا إزاء صراع ضارٍ بين «المماليك الجدد» الذين توحدوا يوماً ضد «ثورة يناير»، لكنهم الآن يحاولون تصفية حساباتهم، من أجل إعلان السيطرة على ما تبقى من رفات «الدولة» المصرية.
(العربي الجديد)

249 thoughts on “صراع « المماليك الجدد » في مصر

  1. What’s Going down i am new to this, I stumbled upon this I’ve found It absolutely helpful and it has aided me out loads.I hope to give a contribution & aid different customers like its aided me.Good job.

  2. บาคาร่าออนไลน์จำต้องชูให้เป็นที่สุดของเกมไพ่ออนไลน์เลยครับผม เพราะเข้าใจง่ายไม่ซับซ้อนที่

  3. فروشگاه تم تولد لبخند تولید کننده انواع تم تولد پسرانه و دخترانه، تنوع محصول بیش از 72 مدل تمجهت خرید وارد سایت شوید، فروشگاه لبخند داره نماد اعتماد می باشد.

  4. Hi there, just was alert to your blog via Google, and located that it’s really informative. I’m going to watch out for brussels. I will appreciate if you continue this in future. A lot of people will likely be benefited out of your writing. Cheers!

  5. An intriguing discussion is worth comment. There’s no doubt that that you need to write more on this topic, it might not be ataboo matter but generally people do not discuss these issues.To the next! All the best!!

  6. Hi there! This post could not be written much better! Looking at this article reminds me of my previous roommate! He constantly kept talking about this. I will forward this post to him. Fairly certain he will have a great read. Thanks for sharing!

  7. When I initially commented I clicked the “Notify me when new comments are added”checkbox and now each time a comment is added I getfour emails with the same comment. Is there any way you can remove people fromthat service? Thanks a lot!

  8. Howdy! I could have swor I’ve been to thuis blog before but after browsing through some of the post I realized it’s new to me.Nonetheless, I’m definitely delighted I found it and I’ll beebookmarking and checking back frequently!

  9. Hello! I just wanted to ask if you ever have any problems with hackers?My last blog (wordpress) was hacked and I ended up losing a few months of hard work due to no backup.Do you have any solutions to protect against hackers?

  10. hello!,I like your writing very much! share we communicate more about your post on AOL? I require an expert on this area to solve my problem. Maybe that’s you! Looking forward to see you.

  11. I like the valuable info you provide in your articles.I’ll bookmark your blog and check again here regularly.I’m quite certain I will learn a lot of new stuff right here!Good luck for the next!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *