سبتمبر 28, 2023
محمد القدوسي يكتب: البحث عن “زويل” بين غرقى “البرلس”
لماذا لم يبحث أحد عن “أحمد زويل ” ولا عن “فاروق الباز” بين جثث الغرقى، وجروح المصابين، وبؤس المقبوض عليهم من شباب مصر الذين أصبحوا من “أصحاب السوابق” بعد أن كانوا من “أصحاب الطموحات”؟ لماذا لم نبحث عن “زويل” و”الباز” بين هؤلاء الذين دفعوا آخر قرش استطاعوا اقتراضه ثمنا لـ”رحلة الموت” في قارب بدائي، أرادوا أن يقطعوا به رحلة أحلامهم نحو الضفة الأخرى في شمال المتوسط، ليكتشفوا ـ في صدمة مميتة ـ أنهم لم يستقلوا قاربا، بل ربطوا أحلامهم إلى مرساة ثقيلة من حديد صدئ، غرقت ومعها الأحلام، وغرق الأسوأ حظا من بينهم مع أحلامهم.
ومع أن أحدا لم يبحث عن “زويل” و”الباز” بين ضحايا قوارب الهجرة غير الشرعية، فإن الصلة بينهم تظل واضحة، حيث الجميع كان يحاول العبور من حافة الإحباط إلى ساحل الحلم. 
“زويل” و”الباز” صاحبهما توفيق تخلى عن هؤلاء الذين يغرقون فرادى أحيانا، وجماعات غالبا، لكن من قال إن التوفيق يصاحب النابغين دائما؟ من قال إن كل نابه هو موفق بالضرورة؟ ومن يملك أن يخبرنا بكم حلول المعادلات التي لم تحل من قبل، وتصميمات المباني والآلات، وطرق الجراحة والتداوي، ونوت الموسيقى، ونصوص الأدب، ولمسات الفرشاة التي كانت ستملأ العالم تقدما ونورا وسعادة وجمالا، لكنها غرقت مع هؤلاء الذين لم يجدوا غير قاع البحر فراشا وزبده غطاء، ولم يمكنهم التشبث بأحلامهم، التي لم تكن ـ في النهاية ـ أكثر من ماء مالح، كمياه البحر ودموع الأهل ـ تسرب من بين الأصابع.
المعلومات تقول إن آخر الغارقين انتشلت جثته صباح الجمعة 17 من أبريل 2015، من مياه “البرلس” في محافظة “كفر الشيخ”. والإجراءات تقتضي انتشال الجثث، وعلاج المصابين مع التحفظ عليهم، وإلقاء القبض مباشرة على الناجين، باعتبارهم “مجرمين” حاولوا الهجرة بالمخالفة للقانون. لكن لا المعلومات ولا الإجراءات تذكر أنهم “ضحايا” منظومة مجتمعية كاملة، بدأت بتجاهل أحلامهم، بالغة البساطة، وقدراتهم، حتى الكبيرة منها لدى الموهوبين منهم، ليستمر نزيف الشباب والعقول، هذا النزيف الذي يتجه إلى ضفة البحر، وربما المحيط، الأخرى بالنسبة لمن حالفهم التوفيق، أو إلى قاع مظلم، في البحر أو السجن، لمن لم يوفقوا.
المدهش، إن بقي ما يدعو للدهشة، أنه لا يوجد، حتى الآن، إحصاء رسمي دقيق وشامل لعدد المصريين في الخارج، وأن الفجوة هائلة بين التقديرات غير الرسمية، المتاحة عبر إحصاءات دول المهجر، والتي تشير إلى نحو 8 ملايين مصري في الخارج، وبين الإحصاء الرسمي لعدد المصريين في الخارج، المسجلين لدى الجهاز المركزي للإحصاء والتعبئة، الذي يقول إنهم مليونان و700 ألف مصري فقط!
(الشرق)

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *